الْفَاشِرُ ، نِيَالا……. قِصَّةُ مَدِينَتَيْنِ …(1)

الصَّادِقُ الرُّزَيْقِيّ يكتب…
ومنا النشيد…
عَاشتا مَعًا… كَنُجْمَتَيْنِ فِي مَدَارِ … شَظِيَّتين مِنْ بَرَقٍ فِي أَقْصَى جِبالِ الغَيمِ .. تَلُوْحَان لِلْمَارِّينَ فِي كُلِّ الدُّرُوبِ .. و تَبْكِيَان ..!
شَقِيقَتَانِ … الْكُبْرَى عُمْرُهَا مِئَاتِ الْأَعْوَام ، وَالصُّغْرَى لَمْ تَبْلُغْ بَعْدُ السَّنَةِ التَّاسِعَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ….!
لَا يُوجَدُ بَعْدَ مَنْ يَتَجَاسَرُ بِدَفْنِ أَيَّامِهِمَا حَتَّى وَإِنْ عَلَاهُمَا الْغُبَارُ وَالرَّمَادُ وَالسُّخَامُ..!!!
كَانَتَا مَعًا… كَرَكْبَتي بَعِيرٍ… تَنْهَضَانِ مَعًا وَتَبْرُكا مَعًا…. كَفَرَسَيْ رِهَانٍ عَبَر الْأَزْمِنَةِ.. تَخْوِضَان سَبِخَةً وَلِجَةً مَجْنُونَةً مِنْ تِجَاعيدِ الْغَمَامِ… تَتْبَلِّلَان مِنْ السَّحَابِ… تَتَنَاثَرَان عَلَى مَسَامَاتِ الْكِرَامِ..
كَانَتْ الْكُبْرَى… وَقَوْرةً… شَامِخَةً تَخْتَالُ فِي مَمَرَّاتِ التَّارِيخِ.. وَالصُّغْرَى مِمْرَاحٌ جَامِحَةٌ تُنْسَالُ تَزْهُو وَسَطَ أَعْشَاشِ السَّلَامِ… وَالشَّمْسُ تَنْفَحُهُمَا الْوَضَاءَةَ وَكِبْرِيَاءَ الْجِرَاحِ..
· لَيْسَ ثَمَّةَ مَا فِي الْعُصُورِ وَالسَّنَوَات وَالحِقْب الَّتِي مَرَّتْ بِكِلْتَيْهِمَا، إلَّا الْجَمْرُ الَّذِي لَفْحَ الْوَجْهَيْنِ النَّضْرِينِ، ثُمَّ اللَّهَبُ الَّذِي احْتَرَقَ قَبْلَ أَنْ يَحَرِقَ مِنْهُمَا الْجِلْدَ وَالرِّدَاءَ السَّمِيكَ الطَّوِيلَ الْمَذْهَّبَ كَأذِيالِ الطَّوَاوِيس، لَكَأَنَّهُمَا بِمُجْتَمَعِيهِمَا وَالنَّاسُ وَالْوُجُوهُ وَالسَّمَاحَةُ، هَبَطَتا مِنْ عَالِمٍ عَلَوِيٍّ.. مُدَارَيٍّ.. سَمَاوِيٍّ بَعِيدٍ أَوْ جَاءَتَا عَلَى مركبةٍ من عَرْشٍ الزَّوَاهِرِ مِنْ نُجُومٍ…
كَانَتْ قِلَادَتُيهُمَا الْخَيْلَ عَلَى مَرَّ الْأَيَّام، وَالْخَيْلُ سَنَابِكُهَا تَتَوَقَّدُ كَالنِّيرَانِ…
· كَانَتَا.. تَتَنَافَسَانِ فِي كُلِّ شَيْءٍ… هَذِهِ بِعَرَاقَتِهَا وَتَارِيخِهَا وَفُصُوصِ عَقْدِهَا الْمُضِيءِ… وَهَذِه تَخُبُّ خَبَّاً بِجِلْبَابِهَا الْمُزَرْكَشِ وَأَحْلَامِهَا الْعَصَافِيرِ وَأَيَّامِهَا الْمُثَقَّلِاتِ بِالْعَبِيرِ، وَأُعَيُنِهَا الَّتِي تَشْرَبُ الْفَجْرَ مِغْنَاجًا خَفِيرا..
· وَتِلْك سِمَةٌ بَارِزَةٌ فِي الْمَدِينَتَيْنِ مَشَتْ فِي مُشَاشِ سُكَّانِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا..
كَانَتَا…تَمَسَّيانِ وَتُصْبِحَانِ عَلَى ضَجَّةِ الْآمَالِ.. تُشِّعِانِ بِالطُّمَأنِينَةِ وَالْأَمَانِ.. حَتَّى إذَا مَا سَكَنَ اللَّيْلُ ، ضَمَّخَتا أَسْتَارَهُ بِبَخُورِ الْكَلَامِ الطَّلْقِ، وَعَفَّرتا تُرَابَ الْمَسَاءِ وَرَمَالَهُ وَحَصَاتَهُ وَسُمَّارَهُ مِنْ ذَلِكَ الطِّيبِ الْمَسْحُورِ، وَتُضَجَّانِ بِالسَّمَاحَةِ وَالْمُرُوءَةِ وَالْوِئَامِ..
هَكَذَا عَاشُتا.. دُهُورًا لَيْسَ فِيهَا إلَّا غَلَيَانُ الدِّمَاءِ الصَّاخِبَةِ فِي الْعُرُوقِ، وَرَنَّةُ الْحَرْفِ الْعِصِيّ، وَدَفْقَهُ الرُّوحِ الْمُتَوَثِّبَةِ، وَالْأَمْنُياتُ الْكَبِيرَةُ فِي أَعْشَاشِهَا وَوَكَّنَاتِهَا يَبْرَقنَ فِي الدُّجَىَ، وَيَتَوامَضْنَ فِي اللَّيْلِ إذْ سُجَيَ… وَلَا تَفَرَّانِ مِنْ قَدْرِ تُعَانِقَانَهُ عَنَاقَ الْمَشَوقِ الْمُسْتَهَامِ.
لَمْ يُفَرِّقْهُمَا أَبَدًا، أَلَمٌ وَلَا حَزَنٌ، وَلَمْ تَفْتَرِقَا إلَّا عَلَى حُبِّ وَشَوْقٍ وَابْتِسَامٍ…
رُفَيْقَتَانِ فِي الْحُزْنِ …
صِنْوَانٌ فِي النَّزِيفِ الْمُرِّ….
سَيَآمَيِّتَانِ فِي الْجُرْحِ….
مَعَ السَّنَوَاتِ وَالْعُصُورِ… تَحَوَّلتَا إلَى مَسْبَكٍ وَمِصْهرٍ اجْتِمَاعِيٍّ عَظِيمٍ ضَخْمٍ، صُبَّتْ فِيه الْأَعْرَاقُ وَالْأَجْنَاسُ صَبًّا، فِيهِمَا تَتَزَاوج الأَرْوَاحُ وَتََأَتلَّفُ، مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَنَبَعٍ فِي السُّودَانِ وَمِنْ خَارِجِهِ، مَنْ يَأْتِ لَا يَعُودُ، مِنْ يُسَاكِنُ لَا يَرْحَلُ، وَمَنْ يُقِيمُ يَطِيبُ لَهُ الْمُقَامُ كَأَنَّهُ حَمَلَ تَذَكَّرَةَ سَفَرٍ بِلَا إيَابٍ، فَصَارَتَا قِبْلَتَيْنِ لِلْآتِينَ مِنْ كُلِّ الدُّرُوبِ، مِنَّارَتَيْنِ يَشُقُّ مِتْرَاسُ اللَّيْلِ قَنَادِيلَهِمَا الْهَادِئَةَ…
كَبُرَتَا مَعَ الزَّمَانِ… تَوَهَُجَتَا فِي الْمَكَانِ..
تِلْك نَفْحَةُ الأزّمِنةِ وَعَبْقَرِيَّةُ الْأمّكِنةِ..
هُمَا… الْحُنَيْنُ لِحَيْثُ مَا اشْتَعَلَ الْحُنَيْنُ، وَهُمَا الزَّمَانُ عِنْدَمَا تَنْحَبِسُ الرُّوحُ فِي جَوْفِ التُّرَابِ…. وَهُمَا الظِّلَالُ عَلَى امْتِدَادِاتِ الطَّرِيقِ الطَّوِيلِ بِلَا سَرَابٍ…
كَانَتَا الْبَوَادِي وَالْوَدْيِانَ وَالْحَضَرَ ، وَالْمَدَارِسَ وَالطُّرُقَاتِ وَالْمَتَاجِرَ وَالْأَشْوَاقَ ، وَالْقَوَافلَ واللَّيَالِي الْمَائِسَاتِ، وَهُدِيرَ (اللَّوَارَى) وَهُدَيلَ الْحِمَائمِ وَعَوْاءَ الْفَلَوَاتِ وَعِبَارَاتِ التَّحَايَا الْوَادِعَاتِ ، وَفِياحَ الدَّعَوَاتِ الصَّالِحَاتِ ، وَنَفَحَ الْفَرَحِ الْأَخْضَرِ، وَرَائِحَةَ الْإِدَامِ وَاللَّحْمِ الْقَدِيدِ و(مَنَاصِيصَ) مُنْتَصَفِ النَّهَارِ ، وَ زَنَابِقَ الذِّكْرَيَاتِ الْمُرْتَسِمةِ فِي الْأَرْوَاحِ كَصَخْرةٍ لَا تَزُولُ…
· و لَكِنْ….
مِنْ أَيْنَ بَدَأ الزَّمَانُ الْمُسْتَعَارُ..؟ وَكَيْفَ أَتَى الْخَرِيفُ الْمُرُّ..؟ وَكَيْف جَاءَتْ جَائِحَةُ الظَّلَامِ الْأَحْمَرِ الشَّفَقَيِّ … لِيَبِتلعَ قَوْسَ اللَّيْلِ أَقْوَاسَ النَّهَارِ..؟
· كَيْفَ جَاءَ هَذَا الْمَوْتُ الشَّبقيُّ زَاحِفًا لِاهْثاً، يُقَهْقِهُ عَابِثًا حَتَّى تَنَامَ الْمَدِينَتان في لَحْدِيهِمَا إلَى الْأَبَدِ..
حَاوَل هَذَا الْقَتْلُ الْفَاحِشُ.. سَلْخَ الْمَلامِحِ الزَّاهِيَةِ وَوَأْدَ تِلْكَ الْأَنَاشِيدِ الصَّغِيرَةِ الرَّشِيقَةِ الضَّاحِكِةِ، جَاءَ لَيُحْرِقَ الرَّايَاتِ.. رَايَاتُ الْمَجْدِ.. وَشَارَاتُ الشَّرَفِ الْبَاذِخِ… وَيُطْمرَ فِي وَحِلِّهِ اللَّزِجِ ذَياكَ الْبَرِيقِ الدَّافِقِ لِمَاضٍ تَأْبَىَ علي الزَّمَاعِ..
· هَا هُوَ الطَّاعُونُ يُحَاوِلُ ثُمَّ يُحَاوِلُ ثُمَّ يُحَاوِلُ…. هم الْقَتْلَةُ الْفَاحِشِون … الْمُتَوَحِّشون… وَهم الْوُحُوشُ الْأَجِيرَة ُ ، هَاهُم يَسْرِقُونَ جِلْدَ مَدِينَتِينا… يُحَاوِلُونَ سَرِقَةَ الْأَسْمَاءِ وَالْأَمْكِنَةِ وَالْأَفْئِدَةِ ، جاؤوا ليقْتلِعوا كِسْوَةَ الْكَعْبَةِ المُذهَّبَةِ الطَِاهِرَةِ مِنْ بَيْنِ يَدَيّ السُّلْطَانِ ، يُحَاوِلُونَ نَهْبَ أَوْرَادِ التَّجَانُيَةِ من مَسَاجِدِ الْمَدِينَةِ الْحَزِينِةِ ، وفِي لَيَالِي الإِخْبَاتِ السَّاهِرَةِ سكَّبُوا أبوَالَهم النّجِسَةَ على نارِ التُقْاباتِ المُشّتعِلةِ منذُ قُرونٍ ..
سَرَقُوا سَاعَاتِ الرِّمَالِ الْمُتَمَهِّلِةِ ، ولثّغَاتِ الأطفالِ الطُهرِ، و أسْرابُ الطَّيْرِ فِي هِجْرَتِهَا مِنْ أَقْصَىَ الْغَرْبِ تَفْزَعُ مِنَ رَائِحَةِ الْمَوْتِ وَالْخِيَانَةِ …
أَقَامُوا سَيَاجاً مِنْ الْعَوْسَجِ الْحَادِّ ، وَرَكَزوا أَسُنَّةَ الشَّوْكَ المسّموم فِي خَاصِرَتِي الْفاشرِ وَنِيَّالا الأسِيرْتينِ..
زَادَ النَّزِيفُ فَهَوَى الْجِدَارُ .. وَتَيّبستْ فِي الرُّوحِ أُغْنِيَةٌ مُودِعِةٌ لِعُصْفُورٍ صَغِير…
· الْانَ فَقَطْ يُمْكِنُكَ أَنْ تَرَىَ مَدِينَةً مُضَرَّجَةً بالدمِّ بِالدُّخَانِ وَرَائِحَةَ الْمَوْتِ الزُّؤَامِ..
وَستَرَى مُدِّنًا وَعَوْاصَماً مَجْنُونَةً تَرْتَدِي زِيّ هُولَاكُو وَدَاركولا ، تَشْهقُ وَهِيَ تَلْغُ فِي دِمَاءِ الْفَاشرِ وَنِيَّالا وَتَرَقصُ رَقْصَةَ النَّارِ حَوْلَهَا كما رَقصتْ حولَها في الخرطومِ وسنجةَ والنّهُودِ ومَدنِي والخوّي وبارا والدّبيباتِ و زَالِنجي والجنينةِ والضعينِ والمُجلدِ وبابنوسةَ و أُم كدادةَ ومليطِ والحمادي …
تَرَى الْعَوَاصِمَ الْأَجْنَبِيَّةَ تُقْتَلُ فِينْا بِمُرَّتزِقتِها وَسَكَاكِينِهَا الطَّوِيلَةِ الْحَادَّةِ وَتَشْرَبُ الدَّمَ الْمَسْفُوحَ من شْرَايِينِنا ، وَتُكْشَطُ كَشْطًا نَضَارَةَ التَّارِيخِ الْمُتَوَهَّجِ بَيْنَ أَعْطَافِ هَاتَيْنِ الْمَدِينَتَيْنِ الشَّهِيدَتينِ..
* و الْآنَ …
نعم الْآنَ فِي هَذَا الزَّمَنِ الْوَحْشِيِّ أَلَمْ تَرَاهُمَا كَيْف اكْتَسَيْتَا مِنْ سَوَادِ اللَّيْلِ جِلْبَابًا خَشِنًا مَسْمُومًا مَلَأ جَسَدَيْهِمَا بِالْقُرُوح.. وَكَيْف تَمْرَّغتا فِي رُكَامِ الرَّمَادِ وَالْحَرِيقِ ..؟
· بَعْدَ كُلِّ ذَاك الْمَاضِي وَالتَّارِيخِ وَالْمَجْدِ.. للفاشِرِ ونِيالا
دَاهَمَهَما الْغِرْبَانُ وَالْجَرَادُ مِنْ كُلِّ اتِّجَاهٍ …
زَحَفَتْ النَّارُ الْمَجْنُونَةُ إلَى كِلْتَيْهِمَا مِنْ كُلِّ فَجٍّ، مَشَىَ الطَّاعُونُ فِي الْأَجْسَادِ..
تَمَدَّدَتْ أَفواجُ الْجَوَارِحِ لَا تُبْقِي عَلَى شَيْءٍ.. فَقَأَتْ الْأَعْيُنَ النَّجْلَ، وَنُحِرَتْ النَّحورُ الْمُزَيِّنَةُ بالصفاءِ….
الآن وقد زُحَفتْ أَنْيَابُ الضِّبَاعِ الْمَسْعُورةِ ، دَاستْ الْمَدِينَتَيْنِ الْحَوَافِرِ…وَنِهَشَتْ أَحْشَاءَهُما الْخَنَاجِرُ وَالنِّصَالُ…
· سَالَ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ فِي أَرْجَاءِ الْمَدِينَتَيْنِ كَأَنَّه نَهْرٌ طَائِشٌ سَرِيعُ الْجَرَيَان… فَاضَ..
· نِيَالا ظَلَّتْ فِي الْأَسْرِ لِمَا يَزِيدُ عَنْ الْعَامِّين ، بَيْنَمَا الْفِاشرُ اليوم اِخْتَرَقَتْهَا الْمَخَالِبُ الجَائِعَةُ، لَعِقَتْ دَمَهَا الْجِرَاءُ الْجَرْبَاءُ…
وَكَأن سُكَّانَهَا مَنْ هَيَاكِلِ الْأَمْوَاتِ مَلْهَاةٌ لِأَصْحَابِ الْبَنَادِقِ الْمَخْبُولةِ وَالْأَيَادِي الرَّاعِشْةِ الْمُخْتَالةِ هَوَسَاً فِي سَاحَةِ الْمَوْتَى ….
· هَا هُمْ الضَّحَايَا وَالشُّهَدَاءُ مِنْ الْأَهَالِي الْبُسَطَاءِ، يُشْعِلُونَ دِمَاءَهُمْ بِإِرَادَةِ الْبَقَاءِ المُعانِدِ العتيدِ فِي وَجْهِ رَصَاصِ الْغَاصِبَيْنَ الْمُرْتَعِدينَ…
· هَا هُوَ وَجْهُ الْمَوَاطِنِ الْبَرِيءِ الْبَسِيطِ الْمَقْهُورِ يبدو أَقْوَىَ وَأنصعَ مِنْ شَظِيَّةِ الْمَدْفَعِ وَ لمعَةِ الرَّصَاصِ… يَغْدُو نَجْمًا لَا يَغِيبُ خَلْفَ ظَلَّامِ مَنْ قَتَلُوا بَرَاءَتَهُ وَ من قَتَلُوه..
· جَاء الطَّاعُونُ الأخطلُ الدمويُّ … و جاء السَّفَّاحُونَ… وَالرَّاقِصونَ عَلَى الْجَمَاجِمِ..… جَاء ذَوُو الأَنْيَابِ الصَّدِئةِ.. جَاءَتْ الْأَفَاعِي مِنْ كُلِّ َجُحرٍ… بَصَقَوا عَلَى قَصْرِ السُّلْطَان، نَجَّسُوا التُّرَابَ الَّذِي كَانَ يَنْطَلِقُ مِنْه الْمَحْمَلُ وَتُحْمَلُ فِيهِ عَلَى ظُهُورِ النُّوقِ الْعَتَاقِ كِسْوَةُ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ، حَطِّمَوا الْجَوَامِعَ وَالْمَدَارِسَ الْقَدِيمَةَ وَنَقَلُوا مَلَامِحَ نِيَالا الْحَزِينِةَ لِلْفُاشرِ الْمَحَطَمَةِ الْمَكْسُورَةِ الْفُؤَادِ..حتَّى تتساويَ المدِينّتانِ وتتنَافْسانِ في حجمِ السّأمِ الخرابِ ….
· عَافَتْهُم العيونُ والقلوبُ في الْمَدِينَتَيْنِ… وَلَفْظَتْهُمْ ذَرَّاتُ تُرَابِهَا الْمَدنسِ، وَسَيَكتبُ التَّارِيخُ فِي صَفَحَاتِهِ الْبَيْضِ، أَنْ الفاشرَ وَنِيَّالا… كَانَتَا فِي أَسْرِ التَّتَارِ الْغَاصِبَيْنَ، لَكِنْ لَمْ تَلِنْ الْعَزِيمَةُ ، وَلَمْ تَسْقُطْ الرَّايَاتُ.. وإن سقطَ الضحايا والأبّطالُ وَأُرِيقَ عَلَى جَوَانِبِ الشَّرَفِ الرَّفِيعِ الدَّمُ..
· لَعَلّ الْفِاشرَ وَنِيَّالا وَهُمَا بَيْنَ الأَصْفَادِ والأغلالِ وَالْقَتَلَةِ ، تُسْمَعَانِ إبْنَ الْفاشرِ الشَّاعِرَ الْكَبِيرَ عَالِم عَبَّاس يَصِيح:
” تَنَاثَرَ الثَّرِيدُ مِنْ قِصَاعٍ الْقَتْلَة
وَلَيْسَ ثَمَّةَ فِي الْخِوَانِ غَيْر السَّفَلَة
الْوَالِغُون فِي الدِّمَاءِ الْقِتْلَة
فَمَنْ لِجَوَعَانا وَالصَّغَار الطّفْلِة
يَا رَبِّ كَمْ تَشَابَكَتْ عَلَى نَسِيَجها
خُيُوطُ هَذِه الْأَسْئِلَة..؟
و اللَّيْلُ أَعْيَنٌ مُكْحُلَةٌ ”
الحلقة الثانية ( قصة المدينة الكبري الفاشر)
الحلقة الثالثة ( قصة مدينة نيالا )



