إيمان مزمل الرشيد تكتب: الأمل الجديد عامان من الانتهاكات وعزيمة لا تلين

إيمان مزمل الرشيد تكتب: الأمل الجديد
عامان من الانتهاكات وعزيمة لا تلين
ريام نيوز ١٥ أبريل ٢٠٢٥م
عامان مضيا كالكابوس المستمر، ثقيلين كالجبل على صدورنا. عامان شهدا أبشع صور الانتهاكات التي يمكن أن يتصورها العقل: قتل بلا رحمة، اغتصاب يهتك ستر وبراءة الإنسانية، وتهجير قسري مزق أوصال الأسر وفرق الأحبة، وترك خلفه أوطانًا بلا أهل، ونزوحًا اقتلعنا من جذورنا إلى شتات وفرقة، وذكريات بلا ملامح.
لم تسلم مدينة ولا قرية من ألم الحرب احترقت الأحلام الصغيرة قبل أن تنضج. الصور وحتى الملامح تغيرت، وتبدل الأمان بصرخات الأمهات المفجوعات اللاتي فقدن فلذات أكبادهن، ونظرات الأطفال الجائعة، الخائفة، الضائعة التي تحمل في طياتها ألف سؤال وجودي لا إجابة له. أصوات القصف كانت تُعلن الموت كل يوم، وفي كل الأرجاء نفقد خير الشباب. كيف تُنسى؟
في هذا اليوم، بعد عامين من اندلاع الحرب اللعينة، لا نملك سوى أن نقف وقفة وفاء نستذكر الشهداء، ونترحم على أرواحهم الطاهرة التي صعدت إلى ربها، تاركة فينا فراغًا لا يملؤه أحد، ولا حتى الزمن.
بعد كل هذا الدمار الكارثي، نريد أن نُعيد رسم صور بيوتنا التي كانت عامرة، وتحولت إلى أطلال شاهدة على وجعنا نستحضر الأحلام التي تبعثرت، ولكننا لا ندفن الأمل معها.
ورغم هذا السواد الحالك، ظهرت بين الركام شرارات مضيئة: جيران يتقاسمون الكسرة والألم، شباب يوصلون الدواء للمحتاجين رغم القصف، ويتناوبون على حراسة الأحياء رغم خطر الموت الذي يطوف حولهم ، تكايا الخير وغرف الطوارئ تفوز بجائزة نوبل للسلام في عام ٢٠٢٤م. وشهدنا نساءً يبنين من الخوف شجاعة، ومن الفقد عزيمة. شعبنا، رغم كل شيء، لا يزال يقاوم.
لنجعل من هذه الذكرى صرخة في وجه الصمت، ونداءً بأعلى أصواتنا لندعو العالم ألا يدير ظهره، وألا يعتاد على مآسينا وآلامنا ونناشد أبناء الوطن في المهجر أن يكونوا سندًا لمن لا سند له، ودعمًا لمن أنهكته الحرب.
ندعو الله أن يجبر كسر قلوبنا، وأن يعيد إلى السودان سلامه وأهله. لا نريد أن نعيش في الذكرى، بل أن نخرج منها بحياة.
لن ننسى ما جرى، ولن نسمح أن يكون الدم بلا ثمن. ستظل هذه الحرب جرحًا مفتوحًا في الذاكرة، ودرسًا لا يجب أن يتكرر.
فلترقد أرواح من فقدناهم بسلام، وليُشف جرحانا، وليُبعث السودان من تحت الرماد، حرًا أبيًا كما كان، وكما يجب أن يكون.