
الأمل الجديد/ إيمان مزمل الرشيد تكتب : تفوق من بين الركام
ريام نيوز / بورتسودان ١ مايو ٢٠٢٥م
وطنٍ مزّقته الحرب، وأُجبر الملايين فيه على النزوح والشتات، بزغ اليوم فجرٌ يُشبه المعجزة من بين دوي الحرب الى خطوات الاعمار التعافي : إعلان نتيجة الشهادة السودانية المؤجلة للعام 2023، بنسبة نجاح بلغت 69%. ورغم أن الرقم وحده لا يروي الحقيقة، إلا أنه يحمل في جوهره شهادة حياة، ودلالة أمل لا يمكن تجاهلها.
تصدر المشهد الطالبة إسراء حيدر محمد أحمد من الولاية الشمالية، بنسبة 97.1%، ما يلفت الانتباه حقًا هو أن من بين المتفوقين نازحين ووافدين ، أولئك الذين حملوا كتبهم على أكتافهم المهترئة بالألم، وساروا بها نحو المجهول، ليصنعوا أمل جديد وها هي معجزة النجاح من رماد الحرب.
وراء كل طالب جلس للامتحان هذا العام قصةٌ لا تشبه الأخرى. هناك من فقد منزله، من افترق عن أسرته، من درس في الخيام أو المعسكرات أو بيوت الأقارب، دون كهرباء، دون إنترنت، وأحيانًا دون دفاتر. ومنهم من فقد أحد أفراد أسرته، أبًا كان أو أمًا أو أخًا أو أختًا، ورغم الحزن العميق جلس للامتحان بعين دامعة وقلب مثقل، مع ذلك، جلسوا، وكتبوا، ونجحوا… أو لم ينجحوا، لكنهم شاركوا في معركة البقاء، وحفروا أسماءهم في دفتر التاريخ.
وفي هذا كله، يسطع الأمل، ليس فقط في الدرجات المرتفعة، بل في قدرة هؤلاء الشباب على الحلم رغم الضياع، وعلى المحاولة رغم الفقد هم الجيل الذي لم يُمنح شيئًا، لكنه ما زال يؤمن أن الغد يستحق الانتظار يستحق الحياة
نبارك من لكل الناجحين والمتفوقين، الذين أثبتوا أن الإرادة لا تُهزم، وأن النور يمكن أن يشق طريقه حتى في أحلك الظروف. ونقول لمن لم يحالفهم الحظ هذه المرة: أنتم لستم أقل شأنًا، بل أنتم أبطالٌ لأنكم حاولتم رغم القهر والغياب والانقطاع. وستشرق شمسكم قريبًا، لا تيأسوا، فالحلم لا ينتهي بمحاولة واحدة.
وفي ظل هذه الخلفية، من المؤلم أن قطاع التعليم، وهو الأمل الأخير في بقاء أي وطن، ظل هدفًا مباشرًا في هذه الحرب. تم تدمير المدارس، ومؤسسات التعليم المختلفة ، وتشريد المعلمين، ومنع الأطفال من حقهم في مقعد دراسي آمن.
ومن هنا، أوجّه دعوة مفتوحة لكل المنظمات الحقوقية والإنسانية، الإقليمية والدولية، والمجتمع الدولي بأسره، للاضطلاع بمسؤولياته الأخلاقية والقانونية في رصد وتوثيق وتجريم انتهاكات التعليم في السودان.
انتهاك المدارس هو انتهاك لحق أساسي من حقوق الإنسان، ويجب ألا يمرّ بلا هكذا دون محاسبة فالسكوت عنه يعني الإسهام في تدمير أجيال قادمة.
إن نجاح هذه الدفعة، في هذا التوقيت تحديدًا، هو الأمل الجديد الذي يثبت أن هذا الوطن ما زال يلد المعجزات. وما نحتاجه اليوم هو أن نقف جميعًا خلف هذا الجيل، لا بالتصفيق فقط، بل بالفعل والدعم والتضامن.
لأنهم ليسوا طلاب شهادة فقط… بل أبناء الضوء في زمن العتمة، و الأمل وسط الأنقاض.