
سعد محمد عبدالله يكتب : نظرة علي حرب السودان من البحر إلي الصحراء
ريام نيوز/ السبت ١٤ يونيو ٢٠٢٥م
التطورات السياسية والأمنية الجارية من حولنا تستوجب الوقوف عندها بجدية، والتحدث بدقة عن مهددات السلم والأمن القومي السوداني والإقليمي والعالمي في ظِل تصاعد مطامع الإستعمار التي لا سقف لها ولا حدود، وبينما نتجه في هذا الإتجاه ينبغي علينا الإطلاع علي التحولات التاريخية العالمية في كل مراحلها، وبناء أفكارنا الجديدة طبقا لما تمخض عنها من حيثيات متراكمة عبر الحِقب والأزمنة، ويجب قراءة ذلك من خلال أعين مبصرة علي التأثيرات المباشرة وغير المباشرة للحرب في منطقتنا الإقليمية، والتي لم تستقر منذ سنوات وإلي اليوم، وكذا إدارة مؤشر البحث عن خصائص الموقع الجيوسياسي للتعرف علي حقيقة دولة السودان في خارطة العالم المعاصر، ونرى أن عالمنا الآن غارقًا في إضطرابات سياسية وأمنية تفوق حد التوقعات والإحتمالات، وإذا أوجدنا تحليلاً منطقيًا يُفسِّر هذه الحالة بكل تداخلاته وأبعادها فهنا نقترب بشكل واقعي من تحديد أهمية السودان في هذه المنطقة وإدراك الأبعاد الحقيقة للحرب الإستعمارية المفتوحة والممتدة علي كافة الأصعدة.
قلنا من قبل، ونكرر الآن؛ أن السودان من الدول المفتاحية المهمة جدًا في المحيط الآفروعربي، وتكتسب أهميتها من واقع موقعها الجغرافي وثرواتها الحيوانية والسمكية والمعدنية والغابات وغيرها من المميزات الفريدة التي تجعلها مقصدًا إستراتيجيًا للمستعمر، وتتوسط شريط واسع من القرن إلي الساحل الافريقي، وهناك حدود مباشرة مفتوحة مع سبع دول مجاورة؛ كما أنها تطل علي مساحات شاسعة في سواحل البحر الأحمر التي يقدر طولها بحوالي “853 – كيلومتر”، وبها موانئ إستراتيجية تمثّل أهم بوابات افريقيا المطلة علي دول الشرق الأوسط وتربط مصالح تجارية كبيرة بين قارات “افريقيا وآسيا وأوروبا”، وأيضًا تشارك بلادنا مع عدد سبع دول آخرى في “مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن”، وهذا المجلس منوط به تأمين الملاحة البحرية وحماية الحركة التجارية العالمية وتعزيز التعاون السياسي والإقتصادي ووضع وتحديث إستراتيجيات المحفاظة علي المصالح المشتركة بين الدول الأعضاء للمجلس ومع العالم الخارجي في كل الأحوال.
عندما نضع أمامنا الخارطة الممتدة من البحر الأحمر إلي الصحراء الكبرى، ونحلل التعقيدات السياسية والأمنية والإجتماعية والإقتصادية في القرن والساحل الافريقي وإنفجار المشهد علي طول وعرض الشرق الأوسط فاننا سنكون أمام تحديات وخيارات صعبة جدًا، ولا مناص البتة من مواجهتها لأنها لا تحتمل أيّ تأخير أو تردد في تعامل السودان معها وفقًا لما يحقق مصالحه العليا، ويجب علينا أن ننظر مليًا إلي ما وراء تلك التطورات الأمنية الأخيرة في محور مثلث جبل عوينات الحدودي الذي يقع بين السودان ومصر وليبيا، وعلي الرغم من أنها منطقة صحراوية “شبه معزولة إلي حدٍ ما”؛ إلا أنها في واقع الأمر تكتسب أهمية قصوى علي خارطة الإقليم لكونها معبرًا حدوديًا يربط ثلاث دول مفتاحية ذات ثِقل سياسي وإقتصادي وإجتماعي، وهنالك تأثيرات مباشرة قد تنجم عن مغامرة البعض في زعزعة الأمن والإستقرار علي هذا الشريط الطويل والمفتوح من المثلث إلي بحيرة ناصر مرورًا بوادي حلفا ومنها إلي ضفاف البحر الأحمر، وهذه الرسمة الجغرافية مهمة جدًا علي خارطة تشهد اليوم تحولات كبيرة لا يمكن تجاهلها علي الإطلاق بل يجب علينا وضعها في الإعتبار بغية كشف خبايا الخطط المضادة التي تُحاك هنا وهناك، ورسم إستراتيجية سودانية هدفها تشكيل ملامح مستقبل السودان الجديد.