الأعمدة ومقالات الرأي
أخر الأخبار

سعيد حبيب الله يكتب : و حتى يكتمل كامل .

سعيد حبيب الله يكتب : و حتى يكتمل كامل .

ريام نيوز ٢١ يونيو ٢٠٢٥م
شاهدت أول البارح الخطاب القصير الجميل مظهرا و مخبرا، الذي ألقاه البروفيسور كامل الطيب إدريس رئيس الوزراء للشعب السوداني و العالم. خطاب بلسان عربي مبين و مضمونا مبشرا.

لم يدهشني ما ورد في الخطاب؛ إذ أنه من أبجديات متطلبات حكومة التكنوقراط التي ينوي رئيس الوزراء تشكيلها، لكن ما يهم هو الإجابة على سؤال، هل أكمل السيد رئيس الوزراء مطلوبات التشكيل؟

بالطبع، إن حكومة التكنوقراط يديرها خبراء، أكفاء متخصصون في مجالاتهم، مؤهلون اكاديميا و يفترض فيهم توفر النزاهة و الاستقلال و السجل الحافل بالعطاء و الإنجازات، بدلا من السياسيين التقليديين. هذا النوع من الحكومات، عادة يواجه بتحديات جسيمة و صعوبات جمة، بدءا من إختيار اعضائها، مرورا ب تحديد معايير الاختيار و مؤشرات قياسها، و وصولا إلى تنفيذ الاستراتيجيات التي تتطلبها المرحلة.

ان تشكيل حكومة التكنوقراط ليس مسألة تقنية، فحسب، بل هو قرار سياسي يتطلب توافقا وطنيا، و ضمانات الحياد، و دعما من كافة الأطراف. و نجاحها يعتمد على عدة عوامل، اهمها:
١. ضرورة وجود إرادة سياسية حقيقية.
٢. وضوح الأهداف و المعايير.
٣. إشراك القوي المجتمعية في الإختيار و المراقبة عبر آليات فاعلة.
٤. توفير البيئة الداعمة للعمل التنفيذي.

ان حكومة التكنوقراط، رغم الصعوبات التي تواجهها، الا انها تظل أداة ممكنة لتحقيق الإستقرار و الإصلاح، بشرط توفير بيئة داعمة تتسم بما يلي:
١. وجود توافق سياسي و وطني على الأنموذج.
٢. إعتماد معايير واضحة للترشح و الترشيح تقوم على الخبرة العملية و الكفاءة و النزاهة و المؤهلات الأكاديمية و الاستقلالية السياسية.
٣. انشاء هيئة وطنية مستقلة للإشراف على تشكيل وتقييم الحكومة خلال الفتره الإنتقالية.
٤. تهيئة بيئة تنفيذية مناسبة و خالية من التدخلات السياسية المباشرة.

يعتبر تشكيل هيئة وطنية مستقلة للإشراف على تشكيل و تقييم حكومة التكنوقراط، الخطوة المحورية لضمان النزاهة و الكفاءة، و الإبتعاد عن المحاصصات السياسية. و فيما يلي خطوات عملية و هيكلية مقترحة لتشكيل هذه الهيئة:
١. تقوم الهيئة بالمهام الآتية:
( أ ) الإشراف على إختيار المرشحين للحكومة وفق معايير مهنية دقيقة.
( ب) الفحص الدقيق لمستندات المرشحين.
( ج ) يتوفر في اعضائها الحياد و عدم التبعية السياسية.
( د ) تقوم بتقييم أداء الوزراء بعد التعيين بناءا على برامج واضحة معدة مسبقا.

ثانيا: الخطوات العملية لتشكيل الهيئة، تشمل:
١. الإطار القانوني:
( أ ) إصدار تشريع أو مرسوم مؤقت بواسطة رئيس مجلس السيادة، ينص على إنشاء الهيئة، يحدد صلاحيتها، و يدعم حيادها استقلالها الإداري و المالي.
( ب) نص دستوري أو قرار سيادي لضمان حماية قرارات الهيئة من تدخلات الأطراف السياسية و الأمنية.
٢. تكوين الهيئة:
لضمان الفعالية، تتشكل الهيئة الوطنية المستقلة من عدد يتراوح بين( ٩- ١١) من الأعضاء، على أن تتضمن العضوية الجهات التالية:
* مجلس القضاء الأعلى أو المحكمة الدستورية، ممثلا للقضاء.
* مرشح من الجامعات المستقلة، اكاديمي متخصص في الإدارة العامة أو السياسات.
* مرشح من منظمات حقوقية مستقلة أو مؤسسات رقابة، ممثل عن المجتمع المدني.
* خبير دولي في بناء الحكومات الإنتقالية.
* ترشيح من مبادرات وطنية مستقلة( ممثل للشباب، المرأة، الإعلام ).
على أن تحدد فترة عمل الهيئة بمدة الفترة الإنتقالية.

ثالثا: معايير الترشيح للحكومة:
١. المؤهل الأكاديمي: شهادة جامعية عليا في مجال التخصص الوزاري.
٢. الخبرة العملية: خبرة لا تقل عن 10 سنوات في مجال التخصص.
٣. النزاهة و السجل الجنائي: عدم وجود سوابق فساد أو انتماء لجماعات متطرفة أو عنيفة.
٤. الاستقلال السياسي: عدم الانتماء لأي حزب أو جهة سياسية نشطة خلال آخر خمسة سنوات.
رابعا: آليات عمل الهيئة:
١. فتح باب الترشرح أو الترشيح ( من الجهات المهنية المستقلة ).
٢. إجراء مقابلات و فحص خلفيات بالتعاون مع جهات أمنية و قانونية مستقلة.
٣. إصدار قائمة مختصرة من المرشحين الذين استوفوا الشروط.
٤. عرض الترشيحات على مجلس السيادة، بعد الموافقة عليها من رئيس الوزراء لاعتمادها.
٥. تقوم الهيئة بإجراء تقييم دوري لأداء الحكومة وفق مؤشرات قياس واضحة.
خامسا: ضمان الاستقلال:
* تمويل مستقل من الدولة عبر ميزانية مخصصة.
* الحصانة القانونية للاعضاء و حمايتهم من أي تهديد أو تعرضهم لقرار تعسفي.
* تتبع الشفافية التامة في أعمالها من خلال تقارير دورية تنشر للرأي العام عبر الأجهزة الإعلامية الرسمية.
التحديات التي تواجه حكومة التكنوقراط:
هناك تحديات تواجه الحكومة، من أبرزها:
١. غياب الشرعية السياسية و الشعبية.
٢. تواجه مقاومة من الأحزاب التي ترى فيها تهديدا لنفوذها.
٣. صعوبة تنفيذ الإصلاحات الجذرية و الاستراتيجيات.
٤. تفتقر الحكومة للمهارات السياسية مثلا: ( التفاوض، القدرة على بناء التحالفات، إدارة الأزمات السياسية و ضعف قدرة التكنوقراط على التعامل مع القوى السياسية و الإجتماعية المختلفة.
٥. مقاومة البيروقراطية :
تعرقل البيروقراطية تنفيذ الإصلاحات و السياسات الجديدة، و مكافحة الفساد.
٦. قصر عمر الحكومة الزمني: تفتقر الحكومة إلى الاستراتيجيات طويلة الأمد نسبة لقصر عمرها الزمني. و هي كذلك لنفس السبب لا تتمكن من استكمال الإصلاحات التي بدأتها.
٧. تحديات اقتصادية و اجتماعية: تطبيق سياسات اقتصادية قد يؤدي إلى احتجاجات شعبية واسعة، خاصة إذا تضمنت إجراءات مثل رفع الدعم أو زيادة الضرائب. و غياب الرؤية السياسية المتكاملة قد يؤدي إلى تجاهل بعض الأبعاد الإجتماعية و الثقافية المهمة.
ان نجاح حكومة التكنوقراط يعتمد على قدرتها على التعامل مع القوى السياسية، و كسب ثقة الشعب، و إيجاد توازن بين الكفاءة الفنية و الشرعية السياسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى