د. أمجد فريد الطيب يكتب : وهمُ الوصاية: في تكسير الاصنام وانهاء عهد الهيمنة بالاكاذيب

د. أمجد فريد الطيب يكتب : وهمُ الوصاية: في تكسير الاصنام وانهاء عهد الهيمنة بالاكاذيب
ريام نيوز ٢٤ يونيو ٢٠٢٥م
“يعرف الرجال بالحق ولا يعرف الحق بالرجال، فاعرف الحق تعرف أهله”
علي بن ابي طالب
ضجّت دوائر أصحاب الحظوة السياسية السودانية، من النخبة التي نصبت نفسها بنفسها، ثم انطلقت لتنصيب بعضها البعض كممثلين دائمين وأبديين وأوحدين للشعب السوداني (وكأنهم قدر مكتوب)، بسخطٍ عارم، نجم عن ما اعتبروه “تجاوزاً” من بعض السودانيين في جرأتهم على مواجهة الرسالة “المقدسة” التي بعثوا بها إلى الأمين العام للأمم المتحدة في الثالث عشر من يونيو الماضي، مطالبين إياه بتغيير مبعوثه الشخصي إلى السودان، وقد ذُيِّلت تلك الرسالة بتوقيع 103 شخصيات وكيانات. وكان هول الرد عليها برسالة مضادة، تحمل توقيعات أكثر من 260 سودانياً وسودانية يرفضون فيها هذا الابتزاز السياسي الذي لا يخدم إلا المصالح الشخصية والأجندات الأجنبية. أغلب الظن أن هذه الدوائر من “القيادات الملهمة” قد كانت تحسب أن مخاطبة المجتمع الدولي والأمم المتحدة هو حقٌ إلهي محفوظٌ لها وحدها، ولا يمكن، بل ولا يجب، أن يتجرأ أحدٌ من السودانيين غيرها على ممارسته، وكأنهم “سلالة الله المختارة” من السودانيين والسودانيات!
ولعل ما زاد سخطهم على هذه “الخطيئة الخطيرة” هو أن الرد على رسالتهم تضمن ذكراً واضحاً للحقائق التي يحاولون إخفاء شمسها بأصابعهم، فكشف أن رسالتهم للأمين العام للأمم المتحدة (والتي تضمنت 103 توقيعات تفاوتت هوياتها بين الساسة الطامحين لاعتلاء مقاعد السلطة من على صهوة تاتشرات الميليشيا، ثم أكملوا العدد قسراً بالاستعانة بأصدقاء رئيس الوزراء الأسبق المستقيل الدكتور عبد الله حمدوك ومرؤوسيه في مركز أبحاثه الاستثماري الإماراتي، وموظفي مكاتبهم، وموظفي مكتب عبد الرحيم دقلو كقائد ثانٍ للدعم السريع المكلفين بالإشراف عليهم، والمدافعين المتقاعدين عن حقوق الإنسان بحسب الظروف، والصحفيين مدفوعي الأجر، والأصدقاء والصديقات الذين لا يفقهون الفرق بين المبعوث الشخصي والمبعوث الأممي والبعثة الدولية، ولكن، لا بأس “فكله عند العرب الصابون”، او”موت الجماعة عرس” كما في المثل السوداني!) كانت مدفوعة بأجندة غير سودانية على الإطلاق، مرتبطة بجنسية المبعوث الاممي رمطان العمامرة الجزائرية، بينما الجزائر على خلاف معلن مع الراعي الإماراتي الرسمي لهم في حلهم وترحالهم. وأن هذا الأمر هو مما يقلق الإمارات بشدة، خصوصاً بعد انكشاف تورطها الدموي في تأجيج الحرب في السودان، ودعمها المستمر لقتل وتهجير واغتصاب ونهب مئات الآلاف من السودانيين.
انصبّ بالغ سخط صفوة السياسة السودانية المقدسة من الموقعيين على رسالة 13 يونيو واتباعهم باحسان وغيره على شخصي، فانطلقوا يبعثون برسائل النميمة واتصالات الشكوى لتدوير ما هو مطبوع، ولكنه مستنكر بالنسبة لهم، بأنني كاتب الرد. وهو شرف لا أدعيه وتهمة لا أنكرها، بل إن اسمي موجود كمواطن سوداني ضمن قائمة أكثر من 260 اسماً من الموقعين على رسالة الرد. ثم طفقوا مستعرضين معلوماتهم وكأنها (ويا للهول) سر حربي خطير، وهم يشعرون بالفخر بأن إيداعها بشكل رسمي لدى الأمين العام ومساعديه تم من بريدي الإلكتروني. وكأن ذلك مما يستدعي الإنكار، غير مدركين أنهم وبغباء بالغ يحرجون مصادرهم، كعادتهم عندما قاموا بتدوير كذبة استيلاء الدعم السريع على سلاح المهندسين على لسان ناطقهم الرسمي، ونسبتها إلى “مصادر غربية موثوقة”، غير آبهين بتأثير تدوير مثل هذه الشائعات على المواطنين الذين يفرون من جحيم سيطرة الدعم السريع من منطقة إلى أخرى. أما اتهامهم الأقرب الذي يسعون لتدويره فهو أن الرسالة جاءت بتوجيه من الاستخبارات العسكرية السودانية! وكأن السودانيين الذين يخاطبون هذه الدوائر قد اقتصروا عليهم!
*حسناً، نحن نخوض معاركنا تحت ضوء الشمس، وليس في ظلماتهم… فالظلم ظلمات! ولا نديرها من وراء حجاب ولا بالدسائس واقاويل اخر الليل. فنحن من سلالة اولئك الذين مشوا بقدلتهم في الطريق الشاقيهو الترام، واهتدوا بهدي الحاذق الذي من شعاره دخول المأزق ليتفانى ما دام شرف بلاده تمام*
لا يُستغرب من هذه المجموعة، وصفوفهم تضج بعملاء لجهات مختلفة في أزمنة مختلفة، من عملاء جهاز الأمن إلى الموظفين المكلفين بالإشراف عليهم من مكاتب قوات الدعم السريع، أن يتصوروا أن المواقف في الشأن العام يتم اتخاذها لغير ذاتها ومضمونها او لصالح جهة أو أخرى. وكذلك لا يُستغرب منهم اطلاق مثل هذه الاتهامات، وهم لا يستنكفون العمل السياسي مدفوع الأجر لصالح دول أخرى أو لصالح من يدفع أكثر في كل الأحيان، فعلى حسب فعل المرء تأتي ظنونه، ويصدق ما يعتاده من توهم. وإذا كان من يرأس تحالفهم (الوطني) موظفاً بشكل علني في مركز أبحاث استثماري لدولة فاحت في العالمين رائحة دعمها بالسلاح والعتاد لقتل السودانيين وتشريدهم ونهب أموالهم واغتصاب نسائهم وقصف سدود مياههم ومحطات كهربائهم، وهو لا يستنكف توقيع اتفاقيات التفاهم والشراكة مع من يصرح على رؤوس الأشهاد بأن بلادها تتواجد وتتدخل في السودان لأن لديها مصالح استثمارية مليارية تقوم بحمايتها! فمماذا نستغرب؟ (انظر تصريح ابتسام الكتبي مديرة مركز الإمارات للسياسات عن تواجدهم في السودان لحماية مصالحها الاقتصادية واستثماراتها التي بالمليارات ولأنه قد أصبح عندهم عضلات كما كانت قد أسْلفت: https://youtu.be/TevW4CLuxKM?si=as9kY8nuQ9MtDEX-
ثم وانظر توقيع الدكتور عبد الله حمدوك الاحتفالي على مذكرة تفاهم مشتركة معها في عشية ملتقى أبو ظبي الاستراتيجي العاشر… https://x.com/emiratespolicy/status/1723794137013428333?s=46 وكأن الإمارات تقول لنا: “زيتنا في بيتنا، وإن كان عجبكم”.)
ان الحقيقة ليست ملكا للنخب السياسية لتقوم بصياغتها كما تريد، والموقف الوطني هو الموقف الذي ينحاز للناس الذين يعيشون معاناة الحرب على ارض الواقع، وليس الذين يريدون استخدام سلطتهم الرمزية المرتبطة بلحظة انتصار ثورة ديسمبر لصياغة واقع بديل بحسب اهواءهم. والسلطةُ – اي سلطة- لا تخشى الحقيقةَ بقدرِ ما تخشى صوتَ الحقيقةِ عندما يعلو دون إذنٍ منها. ولكن هؤلاء الغارقون في وهم احتكارهم للثورة والدولة والعمل السياسي والديمقراطية، بل وحتى صفة المدنية، *وكأنهم “زيوس على قمة الأولمب” جالسون، وعن يمينهم آلهة الصواب الأزلي، وعن يسارهم آلهة الحقيقة المطلقة، وبين أيديهم العرائس من الدبلوماسيين الأجانب الذين هم في الخدمة والمتقاعدين ليرقصوا على أنغام نميمتهم ويشكلوا مواقف بلادهم السياسية حسب ما يأتيهم من أقاويل ووشايات، من دون أن يغير واقعاً أو حقيقة أو وقائع ما يحدث أو جرائم يتم ارتكابها على مرأى العالم من اقتناعهم المطلق بوحي ال snitch “الواشي*”، لم تسعفهم مراعي اغنامهم الفكرية لتصور أن هناك أكثر من 260 سودانياً وسودانية من شتى بقاع السودان ومن كافة مضارب البلاد، ومن شتى نواحي العمل السياسي والاجتماعي والرياضي والأدبي والفني، ونشطاء ومواطنون عاديون، لا يدعون لأنفسهم أفضلية على كل الآخرين، يتجرأون بأن يكون لديهم رأي مخالف لهم وأن يجهروا به في نفس الدوائر التي توهموا احتكارها. ولعلهم في حلهم وترحالهم الدبلوماسي الدولي مدفوع الأجر من مراكز الأبحاث والمبعوثين الدوليين الذين يحتجون على مبعوث الأمم المتحدة بعدم الالتقاء بهم والأخذ بتوجيهاتهم، قد توهموا أيضاً أن المنظمات العالمية متعددة الأطراف هي أيضاً من قبيل الحصر عليهم، بما يخدش في شرفها الرفيع أي رأي مخالف يزاحمهم في حظوتهم الباذخة.
ما علينا…
لست بصدد ان امنح حملتهم الرخيصة في اغتيال الشخصية شرف الرد الدفاعي … فاذا اتتك مذمتي من مثل هولاء… فلا حوجة للرد عليها ولكن اقول لهم بعيداً وقريباً من هذا الموضوع: *إن أولئك العاملين الآن مع جهاز الاستخبارات السوداني أو استخبارات جيشه، وهم يدافعون عن وطنهم ويدفعون بلايا الميليشيا ورعاتها الخارجيين عن شعبهم، هم أشرف ألف مرة منكم وانتم تسعون في خدمة مصالح الإمارات والسعي للانتصار لها والدفاع عنها كدولة “شقيقة” على حساب دماء شعبكم ومعاناته.* وإن كنتم صادقين في حثكم للمجتمع الدولي لإبداء مزيد من الجدية في إيقاف الحرب، أو معالجة الكارثة الإنسانية، لما كنتم توقعون مذكرتكم مع أطراف صريحة في انتمائها لمعسكر الميليشيا التي تنزل بهم العذاب، من لدن رئيسة الحزب الجمهوري وحتى أبواق الترويج والتطبيل لها ولقائدها… “رجل السلام الخالي من المطامع الشخصية والذي يصحو مبكراً ليفطر بالكوكيز”… أو كما قالوا.
ولو كنتم جادين في مخاطبتكم للمجتمع الدولي للسعي لوقف الحرب، لما وجهتم جهودكم للدفاع عن الإمارات كدولة شقيقة ينبغي عدم إثارة الخلاف معها، وهي التي ما فتئ حتى أعضاء الكونغرس الأمريكي (انظر تصريحات النائبة بالكونغرس الأمريكي سارة جاكوبس أو السيناتور فان هولن العضو بمجلس الشيوخ) يصرحون بأن استمرارها في دعم الميليشيا هو العامل الأكبر في استمرارية الحرب في السودان.
ولو كنتم فعلاً منحازين للسودان وللسودانيين، لما سكتّم عنها وهي تعتقل السودانيين بجريرة رأيهم السياسي عما يحدث في بلادهم، ولتجبرهم على التعاون معها، وهي تطارد وتبتز حتى متطوعي غرف الطوارئ من الشباب والشابات الذين أجبرتهم ظروف الحرب على الالتجاء إليها لتطالبهم بعدم ذكر والتبليغ عن انتهاكات الدعم السريع وجرائم اغتصاباته.
ولو كنتم صادقين في حديثكم عن حماية المدنيين، لما صمتّم وبيانات التمهيد والتبرير المسبق لاجتياح وقصف النازحين في معسكر زمزم بالترويج لتحوله إلى قاعدة عسكرية تخرج من بين صفوفكم ومنظماتكم وتوقع عليها هيئاتكم التنظيمية وعضوية تحالفاتكم.
وبعد… فكل ما تمارسونه من أساليب اغتيال الشخصيات والترويج للأكاذيب ومحاولات الإرهاب الإعلامي والضغط الاجتماعي لإسكات وإخراس الأصوات لن يجدي. *بيننا وبينكم الحقائق والموقف السياسي. وما دمتم مستمرين في محاولات “اللعب بالبيضة والحجر”، وعدم التصريح بموقف واضح من استمرارية الوجود المؤسسي لميليشيا قوات الدعم السريع في المشهد السوداني، إما لاستخدامها رافعة تحملكم للسلطة أو سعياً لخدمة وحماية مصالح الرعاة الخارجيين المليارية، فلن تسكت أصواتنا عن تعرية انحيازاتكم الفاضحة.* أما توهّمكم بأنكم تحتكرون الصوت المدني السوداني، واستعانتكم بأصدقائكم في الاوساط السياسية والدبلوماسية في المنطقة وحول العالم في محاولة القدح في مواقفنا ومرتكزاتها، فهي مردودة عليكم. فالحق أبلج إلى قيام الساعة، وهو لا يحتاج إلى الأكاذيب لنصرته. وأكاذيبكم المستمرة هي دليل واضح على أي ضفة من نهر التاريخ تقفون.