الأعمدة ومقالات الرأي
أخر الأخبار

فريق جهينة.. روبوت إماراتي لتوجيه الرأي العام السوداني

فريق جهينة.. روبوت إماراتي لتوجيه الرأي العام السوداني

: مرتضى عبدالسلام – الدنمارك

في خضم الفوضى الإعلامية التي تعصف بالسودان منذ اندلاع الحرب، برز ما يعرف بـ “فريق جهينة” كواحد من أبرز المصادر التي تقدم نفسها على أنها جهة محايدة تحقق في الأخبار وتدحض الشائعات المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي. وبمرور الوقت، اكتسب هذا الفريق ثقة كثيرين ممن يبحثون عن الحقيقة وسط سيل من المعلومات المضللة. ولكن، هل تساءلت عمّن يقف فعلاً وراء هذا الكيان؟ وهل جهينة هو بالفعل فريق بشري صحفي؟ الحقائق تشير إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، بل وربما أخطر.

ليس فريقاً حقيقياً.. بل روبوت آلي!

تظهر التحقيقات التقنية أن فريق جهينة ليس مؤسسة صحفية أو فريقاً من المحققين أو الإعلاميين، بل هو نظام آلي يعتمد على الذكاء الاصطناعي، يدار من داخل دولة الإمارات العربية المتحدة. ويستخدم لتحليل ملايين الصور ومقاطع الفيديو المنشورة على الانترنت، ويملك قدرات فائقة على تتبع المصادر الأصلية وتواريخ النشر بدقة تفوق قدرات أي فريق بشري.

كيف يعمل الروبوت؟

الردود التي يتلقاها المستخدم عبر الواتساب والماسينجر ليست من أشخاص حقيقيين، بل هي ردود جاهزة مبرمجة مسبقاً في الروبوت ومعدة للتعامل مع أسئلة متوقعة عبر أنظمة الرد الآلي. وهناك فريق تقني وإعلامي يعمل في الخلفية، مهمته تزويد الروبوت بالمحتوى (صور – مقاطع فيديو – عناوين – بيانات)، ثم تخضع للمراجعة والتحليل الآلي قبل أن تنشر في وقت واحد عبر قنوات جهينة المختلفة مثل الواتساب، والفيسبوك، وتليغرام، والتطبيق وووو .

رقم سوداني .. منشأ إماراتي

التمويه جزء لا يتجزأ من استراتيجية جهينة. فبالرغم من أن رقم الهاتف الذي يتواصل مع الجمهور عبر الواتساب يظهر برمز السودان (+249)، إلا أن التحليل الفني يثبت أنه رقم إماراتي الأصل، تم تعديله لإظهار هوية سودانية مزيفة. هذه الخدعة الذكية تهدف إلى منح المنصة غطاء محلياً، لخداع الجمهور وإضفاء مصداقية زائفة.

من يدير جهينة؟ ولماذا؟

تتواتر معلومات من مصادر مطلعة بأن جهينة ليست مجرد منصة صحفية، بل هي جزء من مشروع إلكتروني واسع تموله دولة الإمارات العربية المتحدة لخدمة أهداف سياسية وإعلامية محددة في السودان. وهذا المشروع يضم فريقاً تقنياً متكاملاً من مهندسين ومصممي برمجيات ومحللين إعلاميين يعملون على تغذية النظام بالصور والمقاطع والمحتوى المناسب. ويعتقد أن الهدف الرئيسي لهذا المشروع هو التأثير على الرأي العام السوداني وتوجيهه بما يتماشى مع المصالح السياسية الإماراتية في السودان، خاصة في ظل اشتداد الصراع الداخلي، ومحاولة أطراف إقليمية لعب أدوار في المشهد السوداني المتشظي.

الأخطر من ذلك:
ما يثير القلق هو أن المحتوى الذي ينشر غالباً ما ينحاز بشكل فاضح لمليشيا الدعم السريع، ويكرس روايات تروج لصورة القائد محمد حمدان دقلو (حميدتي) بوصفه لا يزال على قيد الحياة، ويقود المعارك من الخطوط الأمامية. في المقابل، يتم تجاهل أو التشكيك في أي محتوى يظهر تفكك هذه المليشيا أو يلمح إلى اختفاء قائدها.
هذا الخط التحريري ليس عفوياً، بل يبدو مدروساً بعناية في سبيل الحفاظ على معنويات الجنود المنهارة، وتثبيت صورة القائد المختفي الذي يراد له أن يبقى حاضراً على الأقل رقمياً، إن لم يكن واقعياً.

تحذير للمتلقي السوداني

ما يصدر عن جهينة يجب أن يؤخذ بكثير من الحذر والشك، فهذه المنصة لا تعمل وفق معايير الإعلام المستقل أو الصحافة المهنية، بل ضمن إطار تقني موجه، تديره خوارزميات وروبوتات تسعى لتشكيل القناعات وتوجيه الرأي العام نحو رواية واحدة تخدم طرفاً محدداً في النزاع.
وفي ظل هذا الواقع، يجب على المواطن السوداني أن يكون أكثر وعياً في التعامل مع ما يبث من معلومات، وأن يطور مهارات التحقق الذاتي من المصادر، وألا يسلم بثقته لأي كيان إعلامي دون أن يعرف من يقف وراءه، ومن يموله، ولماذا.

إذا كنت تتعامل مع جهينة كمصدر موثوق للأخبار، فعليك أن تعيد النظر. ما يصدر عن هذه المنصة ليس ناتجاً عن جهد صحفي أو بشري نزيه، بل ناتج عن روبوت موجه، مدفوع بأجندة إقليمية تسعى لفرض رؤيتها على الواقع السوداني. والتعامل مع هذا النوع من المنصات يتطلب وعياً رقمياً ويقظة فكرية، وعدم التسليم الأعمى بالمحتوى الذي تبثه.

وفي زمن الحروب، تصبح المعلومة سلاحاً فتاكاً. وفريق جهينة نموذج حي لكيف يمكن للذكاء الاصطناعي، حين يقع في يد أجندات خارجية، أن يتحول من أداة للتحقق إلى وسيلة للتضليل. علينا أن نسأل دوماً: من يتحقق من المحقق؟

#مرتضى_عبدالسلام
الدنمارك
24 يونيو 2025

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى