د. مريم تكتب في مقاربات: العالقون في الكفرة مأساة تبحث عن حل!

*العالقون في الكفرة ..مأساة تبحث عن حل*
*مقاربات*
*د. مريم رضوان* ✍🏼
متابعات/ ريام نيوز ١٤ يوليو ٢٠٢٥
على تخوم مدينة الكفرة في جنوب شرق ليبيا، يمتد الصمت وتضيق الخيارات، يواجه عشرات السودانيين أوضاعا مأساوية. بينهم نساء، أطفال، وشباب و كبار السن ، وطلبة وأساتذة جامعات.ظروفا إنسانية قاسية، بعد أن تقطعت بهم السبل، بلا مال ولا غذاء ولا أفق وأضح للعبور. ورغم فداحة الوضع ظلت السلطات الليبية، و المنظمات وأفراد مجتمع الكفرة، بذل أقصى جهودهم في تقديم الخدمات وتقديم العون. في مشهد يستحق التقدير،ويعبر عن أصالة ليبيا المضيافة.
ورغم إن مدينة الكفرة هي البوابة الأولى، التي يدخل منها السودانيون إلى ليبيا، لا توجد بها قنصلية سودانية ولا جالية منظمة. بل مجرد ممثل رمزي، لا يسجل له أي جهد حقيقي في هذا الملف. مما يجعل أوضاع العالقين أكثر هشاشة، ويعمق غربتهم، في أرض لا سفارة تحميهم فيها ولا مؤسسة تعبر عن صوتهم. بل يترك هؤلاء العالقون للمجهول . كيف يمكن لمدينة بهذا الحجم من المعاناة، أن تترك هكذا بلا حماية دبلوماسية؟ أو إهتمام رسمي من الحكومة السودانية ؟ إلى متى يظل السوداني يواجه محنته وحده؟ أين مؤسسات الدولة السودانية من هذه المأساة. التي تجاوزت حدود الصبر؟ إن السكوت الرسمي أمام واقع هؤلاء العالقين، الذين لا يملكون ثمن العودة، ولا يملكون خيار البقاء الكريم . هو خذلان صريح لمواطنيها، في أشد لحظات إحتياجهم. يقدر عدد الأسر بـ 400 إلى 500 أسرة في مساحة ضيقة، دون خصوصية، ولا متابعة رسمية. ومن بين العالقين أساتذة جامعات سودانيين، 41 أسرة جاءوا يحملون عقولهم وخبراتهم، لإجتياز هذه المنطقة في طريقهم إلى الوطن. كل العالقون محاصرون بالجوع، والعطش والخذلان.أحد هؤلاء الأساتذة تواصل معي، من الكفرة مباشرة، يبكي بحرقة، وهو يصف الواقع المحزن والمؤلم .
إغلاق المثلث الحدودي زاد من تعقيد المشهد، وجعل من مدينة الكفرة سجن مفتوحا لهؤلاء الضحايا، دون أن يلتفت إليهم الإعلام الرسمي.أو تحرك الجهات المسؤولة في حكومة بورتسودان ، أو حتى البعثات الدبلوماسية المعنية، بسلامة المواطنين في الخارج.
في سياق التحركات الرسمية، قام الدكتور عماد الفحل بطرابلس، بالتواصل مع الملحق العسكري بالسفارة السودانية، الذي أكد بدوره وجود تحركات لحل المشكلة في أقرب وقت ممكن. كما كانت هناك مبادرة مقدرة من السفير السابق لدى ليبيا، الأستاذ حاج ماجد سوار، الذي ناشد رئيس مجلس السيادة. ورئيس الوزراء، ووزير الخارجية. وغيرهم من الجهات المختصة، بالتدخل العاجل. إنطلاقا من معرفته العميقة، بوضع السودانيين في ليبيا، وخاصة في المناطق الحدودية. وتواصل د. عباس من الكفره وهو من الأساتذة العالقين، مع القنصل العام ببنغازي ا. عبدالرحمن محمد رحمة الله، الذي أشار له بأن الترتيبات جارية لبداية برنامج العودة الطوعية. مؤكدا أن هناك تنسيقا محكما بين القنصلية العامة، وجهات الإختصاص في السودان. لترتيب هذا البرنامج بصورة منظمة.ورغم أهمية هذه الخطوة، فإن ألواقع الحالي على الأرض، ما زال يصرخ بالحاجة إلى إستعجال التنفيذ. لأن معاناة العالقين لا تنتظر الطمأنة، بل تحتاج إلى خطوات ملموسة، تنقذ من تبقى منهم في ظروف مأساوية. .
ومن ضمن الجهود أيضا، تواصل الدكتور ياسر عبدالرحمن، نائب رئيس منظمة أساتذة الجامعات السودانيين (ماجسو)، من بورتسودان مع الجهات الرسمية وذات الإختصاص.في محاولة للفت الأنظار، إلى معاناة زملائه الأكاديميين العالقين. والدفع باتجاه إيجاد حلول عاجلة، تحفظ لهم كرامتهم وحقهم في العودة.
رغم مرور الوقت وتفاقم المعاناة، لا تزال الجهود مستمرة، للوصول إلى حل ينهي هذه الأزمة. لكن الإنتظار طال، والأمل بات معلقا على سرعة استجابة الجهات المعنية، قبل أن تتعقد الأمور أكثر.
وفي ظل إستمرار معاناة السودانيين العالقين بمدينة الكفرة، خاصة من كبار السن، والنساء والأطفال. تبرز الحاجة الماسة، لزيارة عاجلة من السفير السوداني والقنصل العام، لتقييم أوضاعهم عن قرب.
حتى الآن، لم تسجل زيارة رسمية، من أي جهات رسمية سودانية، إلى موقع العالقين .وهو ما يثير تساؤلات : حول جدية الإجراءات المتخذة، لمعالجة الأزمة. فزيارة ميدانية كهذه، ليست مجرد إجراء بروتوكولي، بل هي خطوة إنسانية ضرورية. للتواصل المباشر مع المحتاجين ،والإستماع إلى شكواهم ومعاناتهم، فضلا عن تنسيق الجهود بين السفارة والجهات الليبية. لتوفير الدعم، وتسريع إجراءات العودة الطوعية.
المواطنون السودانيون في الكفرة، ينتظرون هذه الزيارة بفارغ الصبر، والتي من شأنها أن تعزز ثقتهم في قدرة المؤسسات الرسمية. على العمل الفعلي من أجل تخفيف معاناتهم. كما تعد الزيارة فرصة لتوثيق الأوضاع الحقيقية، بصورة مباشرة .والبدء في إتخاذ خطوات عملية، وحاسمة، بدلا من التأجيل والتأخير.
ربما تواجه عمليات الإجلاء من الكفره مباشرا عبر المثلث، صعوبات ناتجة عن ترتيبات لوجستية، وأمنية.لكن يوجد خيارا عمليا، جرب من قبل. ففي أعقاب سقوط نظام القذافي عام 2011، تم إجلاء آلاف السودانيين من ليبيا، عبر معبر السلوم إلى الأراضي المصرية. ومن هناك تمت متابعة مسيرتهم حتى وأدي حلفا، بدعم وتنسيق، بين الحكومة السودانية والسلطات الليبية والمصرية والمنظمات الدولية .
فلماذا لايعاد تفعيل هذا الخيار؟
إن مأساة العالقين بالكفرة، ليست مجرد حالة إنسانية عابرة، بل إمتحان حقيقي لضمير الدولة السودانية، ولمدى إلتزامها تجاه أبنائها في الخارج، لا يكفي التعاطف من بعيد، ولا تفيد التصريحات العابرة. فهؤلاء بشر تسحق كرامتهم تحت وطأة الإهمال، ولا يليق أن يظلوا رهائن في صحراء نائية، ينتظرون منة أو معجزة.
نقدر كل الجهود الليبية ونتفهم حجم الضغط، الذي تتحمله مدينةالكفرة الصامدة، التي تتحمل عبئا ضخما من الضغط الإنساني والمعيشي. بإستضافتها هذه الأعداد الكبيرة، من العالقين السودانيين، في ظروف صعبة للغاية. ما يجعلها نقطة محورية، تتطلب دعما مستمرا وتنسيقا فعالا، بين الجهات الرسمية والمعنية. لكن الحل النهائي ليس بيدها وحدها، بل بيد الدولة السودانية، التي يجب أن تتحرك بمسؤولية. لإنقاذ ما تبقى من كرامة هؤلاء العالقين، قبل أن تصبح المأساة، عنوانا دائما لفشل الدولة في رعاية مواطنيها.
فإذا كان الوطن عاجزا، عن الوصول إلى مواطنيه، فليفسح الطريق للوصول إليه.