
مالك محمد طه يكتب : هوامش على بنادق الهامش
ريام نيوز ١٤يوليو ٢٠٢٥م
على مدى سبعين عامًا(1955_2025)، تناوبت – وأحيانًا تآزرت- مجموعات من أطراف السودان تحت مسمى التهميش أو الهامش لحمل البندقية في مواجهة الحكومات المتعاقبة.
وفي بلد إفريقي مثل السودان يحتاج إلى مركز قوي يشد أطرافه الضعيفة، وتفرض فيه الدولة سلطة القانون، فإن أول ماكانت تستهدفه هذه الحروب هو هذا المركز بما يتضمنه من رمزية ونواة للدولة، وبما يحويه من مجتمعات آخذة في التشكل والانسجام.
وبحُكم إجمالي غير مخل، فإن هذه البنادق لم تنجح في شيء، مثلما نجحت في الإبقاء على الخرطوم(بالمعنى المجازي والحرفي أيضًا) كعدو وحيد يجب أن تٌصوب نحوه البنادق دائمًا وباستمرار.
النتيجة الحتمية والواقعية لهذه الحروب هو تضعضع المركز وتمزق الأطراف، وبنظرة فاحصة فإن معظم أطراف السودان هي حاليا حدائق خلفية لدول الجوار.
ولا يقف خطر الحروب التي يخوضها الهامش عند عتبة إضعاف المركز، بل يتعداه إلى أن المولود اللا شرعي لحروب الهامش كان هو هذه الشخصية الماثلة، والسمت العام لها أنها تطلب ولا تُعطي، وتأخذ دون أن تمنح، وتقيم معادلة المواطنة دائمًا على”إما أن تعطوني أو الطوفان”.
هذه الشخصية التي أنجبتها حروب الهامش لديها استعداد أن ترفع السلاح لتحقيق مطالبها وأن تموت دون ذلك، ولكن ليس لديها الاستعداد لأن ترفع لبنة من الأرض حتى تضعها في بنيان الوطن.
كما أسهمت حروب الهامش في إضعاف الإنتماء القومي، فعندما ينظر أصحاب البندقية إلى مشاريع التنمية والعائد منها، فإنهم يعتبرون كل مشروع في السودان قوميًا يجب أن يكون لهم نصيب منه، وكل مشروع في أرضهم ولائيًا لابد أن يعود لهم، فهم مسلمون في الزواج وكاثوليك عند الطلاق.
ومن إفرازات حروب الهامش ميلاد شخصية لها طابع المزايدة في التطلب والإلحاف فيه، وخير شاهد على ذلك كثرة الاتفاقيات (حتى حول القضية الواحدة)، فمع كل اتفاق لابد من بذل المناصب والأموال ولكن دون سلام، فأصبح الصرف على السلام أشبه بوضع المال في كيس مثقوب،لأن الهامش يصارع المركز بالجملة ويتفق معه بالقطاعي(حركة حركة).
ومن الجدير بالإيراد هنا قضية العلمانية، المنطق يقول إن من يرفع العلمانية على أسنة بندقيته، يجب أن يطالب بها لقومه فقط كما يطلب لهم السلطة والثروة، لا أن يفرضها على الجميع، ولكنها المزايدة والمساومة.
فانظر كيف يتاجرون بالعلمانية، وهم الذين يعيبون التجارة بالدين؟
إن رفع السلاح لتحقيق المطالب يُعد في كل العالم جريمة، فما من بندقية ترفع في وجه السلطة القائمة-غض النظر عن طبيعة هذه السلطة- إلا ويتم تجريمها وتصنيفها في الإعلام على نحو واسع بإنها قوات متمردة وغير شرعية.
لكن ما إن تُرفع البندقية في
في السودان ضد الحكومة،إلا وتكتسب هذه البندقية شرعيتها فورًا، وتوضع في مقدمة الأجندة الإعلامية الإقليمية والدولية.
ولن تعدم بنادق الهامش أنصاف مثقفين أو مثقفين متبطلين، أو سياسين تحت الطلب، أو إعلاميين خُدّج، ليلتفوا حول هذه البندقية ويرددوا نظريات فارغة ومفردات مكررة على شاكلة: العقل الرعوي، والشريط النيلي،والنخب المركزية، وحزام الهامش.
من المهم عند هؤلاء أن ترتفع البندقية أولًا، وبعدها سيبحثون لها عن نظرية، ويجعلون لها متنًا وحاشية، ويعطونها قوة الدفع اللازمة، فالهامش عندهم دائمًا على حق طالما كان ضد المركز، والمركز دائمًا على باطل حتى ولو أحسن.
هذه الجماعة من المتحلقين حول بندقية الهامش يؤدون وظيفة رسام فاشل، كل مهمته أن يرسم دائرة حول الرمح بعد أن يقع على الأرض، ليوهم الرامي(الذي هو أفشل منه) أن الرمح أصاب الهدف.