الأعمدة ومقالات الرأي
أخر الأخبار

د.مريم رضوان تكتب : مقاربات / المعاشيون في السودان (خبرة خارج الخدمة)

ريام نيوز ٢٤ يوليو ٢٠٢٥م
رغم أن الخدمة المدنية تمثل عماد الدولة، ومحركها التنفيذي لعقود، إلا أن العاملين فيها بعد الإحالة إلى المعاش. يجدون أنفسهم في مواجهة واقع قاس، يتناقض مع ما قدموه من عطاء، فالمعاش الذي يصرف لهم. لا يفي، بأبسط متطلبات المعيشة الكريمة. فهم من أكثر الفئات تهميشا في المجتمع.
صدر قانون المعاشات والتأمينات الإجتماعية في السودان، عام 2016، بهدف تنظيم إستحقاقات المتقاعدين. من معاش شهري ومكافآت، مع السماح بإستثمار أموالهم لصالحهم، يعتمد إحتساب المعاش على الأجر الأساسي وفترة الخدمة.إلا أن القانون لم يطبق بعدالة، ولم تحدث المعاشات بما يتناسب مع إرتفاع كلفة المعيشة. بل تهدر حقوق المعاشيين في ظل غياب الرقابة، على إستثمارات أموالهم، وعدم تنفيذ الأحكام القضائية لصالحهم.أن قانون المعاشات ظالم وبال، لا يراعي ظروف الحرب وماصاحبها من التغيرات الإقتصادية، والأبعاد النفسية والإجتماعية للمعاشيين . ما نراه هو مظلمة صامتة، تتخفى خلف قوانين عتيقة ومؤسسات تدار بلا شفافية. فهل آن الأوان لنسأل: هل التقاعد الإجباري، هو عدالة عمرية أم حكم بانتهاء الصلاحية؟
في 11 يناير 2023، قبل إندلاع الحرب بأربعة أيام، أصدر المجلس الإنتقالي قرارا. بتكوين لجنة، لتحسين إستحقاقات المعاشيين. مع وعود بزيادات تصل إلى 55%، وصرفها بأثر رجعي لمراعاة التضخم. لكن الحرب التي إندلعت في أبريل، أوقفت تنفيذ القرار، وحولته إلى وثيقة مهملة في الأرشيف. مما سرق آمال المعاشيين في تحسين أوضاعهم، فهم مظلومون ويتعرضون للتهميش، وتجاهل حقوقهم عد سنوات طويلة من العطاء. يعد إنكارا فجا لفضلهم وخبراتهم.
وفي 22 ديسمبر 2024، وجه رئيس إتحاد معاشيي السودان، خطابا إلى رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان. طالب فيه بالتدخل العاجل، لإنصاف المعاشيين، بعد أن تفاقمت أوضاعهم المعيشية بسبب توقف المرتبات، وعدم صرف المستحقات. وتجاهل حكم قضائي قضى بتحسين المعاشات، كما أشار إلى معاناتهم المضاعفة في ظل الحرب، وغياب الإستفادة من أموالهم المستثمرة.
وفي سياق المطالبة بإسترداد الحقوق المنسية، وجه الإتحاد العام لمعاشيي الخدمة المدنية، مذكرة لرئيس الوزراء في يوليو 2025.حملت مطالب مستحقة طال إنتظارها، أبرزها: رفع الحد الأدنى للمعاش إلى 150 ألف جنيه، لمجاراة خط الفقر العالمي. وتحسين التأمين الصحي، وإصدار بطاقة معاشية تمنح إمتيازات خاصة، مع دعوة لإستثمار خبرات المتقاعدين. كمستشارين في مؤسسات الدولة، وضمان تضمين هذه الحقوق، في موازنة عام 2026.
هذه المذكرة تعكس حجم المأساة، وتحمل الدولة مسؤولية أخلاقية، تجاه من بنوا السودان وساهموا في إستقراره.
يواجه المعاشيون، جملة من التحديات البنيوية والمعيشية، على رأسها تدني قيمة المعاشات الشهرية. التي لا تواكب معدلات التضخم المتسارعة، وتدهور الخدمات الصحية، وتعقيدات صرف المستحقات .خاصة في ظل النزوح، وتوقف النظام المصرفي ، وغياب تحقيق العدالة الإجتماعية.وتعديل القوانين، كما يعانون من التهميش المؤسساتي، وغياب السياسات. التي تراعي حاجاتهم، في مرحلة ما بعد الخدمة.
ومن غير المقبول أن تتوقف معاشاتهم، في الوقت الذي لم تتوقف فيه، رواتب قطاعات عديدة، وبعضها غير منتج .وليس ذات الأولوية المجتمعية.وفي ظل غياب الدعم الكافي، يعيش كثير منهم على المساعدات، ويحرم البعض من حقوقه. بسبب التعقيدات القانونية.
ولتجاوز هذه الإشكالات، يمكن إعتماد حزمة من الحلول الواقعية، تبدأ بـإعادة هيكلة منظومة التأمين والمعاشات. بما يضمن العدالة والإستدامة، ورفع الحد الأدنى للمعاش ،وفق مؤشرات الفقر العالمية. وربطه تلقائيا بمعدل التضخم. كذلك يقترح تفعيل بطاقة معاشية موحدة، تتيح إمتيازات مالية واجتماعية. إلى جانب إشراك المتقاعدين، من ذوي الخبرات كمستشارين، في مؤسسات الدولة. كما أن تحسين الوصول إلى المعاشات عبر حلول رقمية. وتفويضات موثقة، سيساهم في تخفيف المعاناة، خصوصا للنازحين. إن إنصاف هذه الفئة من المعاشيين، ضرورة إنسانية ووطنية، تأخرت كثيرا .يحتاج إرادة حقيقية لتعديل القوانين، وضمان انتظام الصرف، ومراعاة ظروفهم الصحية والنفسية. فهم لا يطلبون أكثر من حقهم، أوجب من أن يؤجل.
قضية المعاشيين في السودان، هي وجوه أرهقها الإنتظار، وأجساد أنهكها الإهمال. توقفت معاشاتهم وكأنهم خرجوا من حسابات الدولة، رغم أنهم خدموها بعمر كامل.
من الضروري أن توضع هذه القضية، على رأس أولويات الإصلاح، وضمان الشفافية في الإدارة. وتوفير الحماية الاجتماعية اللائقة بهم.
على الجهات الرسمية أن لأ تتجاهل هذا الملف الإنساني والوطني. فالمعاشيون لا يطلبون صدقة، بل إستحقاقا مكفولا بالقانون والتاريخ.
معاشيو السودان ينادون بحق الكرامة، لا بالشفقة فهل من يسمع النداء؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى