
ريام نيوز / الجمعة ٨ أغسطس ٢٠٢٥م
قال الله تعالى:
“وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”
[الأنبياء: 107]
ما أعظمها من شهادة! أن يكون خاتم الأنبياء ﷺ رحمة مهداة، لا سيفًا مسلولًا، ولا غضبًا هائجًا، بل رحمة تسري في القلوب، وتنعكس في الأفعال، وتتجلى في أرقى صور الإنسانية.
الرحمة ليست مجرد عاطفة، بل سلوك دائم، ونهج حياة، وميزان دقيق في التعامل مع الناس والحيوانات والكون من حولنا. إنها ليست ضعفًا كما يظن بعض الجفاة، بل هي قوة ناعمة تصنع المعجزات، وتبني الأمم، وتُسكِّن الآلام، وتُرمِّم القلوب.
كان النبي ﷺ أرحم الناس بالناس. في وجهه ابتسامة لا تغيب، وفي يده عطاء لا يُرد، وفي لسانه دعاء لا يحمل إلا الخير، حتى في أصعب المواقف.
ذات يوم، جاءه رجلٌ وأخذ بثوبه حتى أثر في عنقه، وقال بغلظة: “أعطني من مال الله، لا من مالك ولا من مال أبيك!” فما كان منه ﷺ إلا أن تبسّم وقال: “أعطوه”.
أي قلبٍ هذا؟!
أي رحمة تسكن هذا القلب، لتغلب الغضب، وتتجاوز الإهانة، وتعلو فوق الأنا؟
رحمته شملت الطفل حين أطال سجوده لأن حفيدته زينب كانت على ظهره، وشملت الحيوان حين قال: “دخلت امرأة النار في هِرّة”، وشملت العاصي حين قال للذي بال في المسجد: “لا تُزرموه”، وللرجل الذي أراد قتل نفسه: “عاد الله عليه برحمته”.
نحن اليوم في زمن جفت فيه القلوب، وقست فيه الألسنة، وساد فيه الظن السوء، واشتدت الأحكام على الناس. نحن في حاجة ماسة لأن نعود إلى الرحمة، نمارسها، نربي أبناءنا عليها، نجعلها أصلًا في تعاملنا، لا استثناء.
ارحموا من في الأرض، يرحمكم من في السماء.
حديث لا يُروى فقط.. بل يُعيَش.
فلنجعل من هذا اليوم بداية جديدة:
– نرحم من حولنا بكلمة طيبة،
– أو نظرة حنان،
– أو عفو عن زلة،
– أو ستر على عيب،
– أو دعاء بظهر الغيب.
الرحمة لا تكلّف مالًا.. لكنها تساوي كنوزًا.
اللهم اجعل في قلوبنا من الرحمة ما تُرضينا به، وترضى به عنا، وتصلح به حالنا، وتلين به أقسى ما فينا.
جمعتكم رحمة.. وقبس جديد يتجدد كل أسبوع بإذن الله.