عمار التركي يكتب : دبلوماسية المخابرات ما بين ميونخ وأذربيجان..

خبر وتحليل- عمار العركي
*_دبلوماسية المخابرات ما بين ميونخ وأذربيجان…_*
_____________________
▪️
متابعات ريام نيوز ٢١ سبتمبر ٢٠٢٥
من ميونخ إلى باكو، يتأكد أن الدبلوماسية الأمنية لم تعد مجرد قناة موازية للعمل الخارجي، بل أصبحت أداة أساسية في تثبيت موقع السودان على الخريطة الدولية. ففي فبراير الماضي، عاد السودان إلى الساحة عبر بوابة ميونخ الأوروبية، واليوم يواصل حضوره بثقة في باكو، عاصمة “أرض النار”، حيث يلتقي قادة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية من مختلف القارات.
▪️في مؤتمر ميونخ للأمن 2025، انعقد النقاش تحت شعار “Multipolarization”، أي عالم يتشكل على أنقاض الأحادية القطبية نحو تعددية أقطاب متنافسة ومتكاملة. مشاركة وزير الخارجية الأسبق د. علي يوسف ومدير جهاز المخابرات الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل شكّلت يومها مزيجاً ذكياً بين الدبلوماسية التقليدية والدبلوماسية الأمنية. الرسالة كانت واضحة: السودان يعود بعد غياب أربع سنوات، ويطرق أبواب أوروبا كجزء من هذا العالم المتعدد، باحثاً عن اعتراف دولي ونافذة تواصل مع القوى الكبرى. غير أن ميونخ – رغم زخمه – ظل محكوماً ببرود وحذر أوروبي تجاه المشهد السوداني المضطرب، فكان الحضور بمثابة بطاقة عودة أولية إلى الطاولة.
▪️أما في منتدى باكو للأمن 2025، المنعقد تحت شعار “Global Security and Cooperation”، فإن المشهد يختلف. فهنا تتسع مساحة الدبلوماسية الأمنية، في فضاء آسيوي–شرقي أكثر مرونة من القيود الأوروبية، حيث تجتمع أجهزة المخابرات والقوى الفاعلة في قنوات غير رسمية، بعيداً عن حسابات السياسيين وضجيج الإعلام. المشاركة السودانية بقيادة الفريق مفضل لا تأتي كضيف عائد فحسب، بل كطرف واثق يطرح رؤيته ويضع شروطه للتعاون. لقد تحولت المشاركة من إثبات وجود في ميونخ إلى تثبيت تأثير في باكو.
*الفرق بين المؤتمرين يكشف تحوّلاً مهماً في موقع السودان:*
▪️ميونخ قدّم اعترافاً دولياً بعودة السودان، ومنحه نافذة للتواصل مع أوروبا ومؤسسات الأمن الدولي، لكنه ظل إطاراً غربياً محكوماً ببرود سياسي وحسابات دقيقة.
▪️باكو قدّمت منصة عملية للتواصل المباشر مع أجهزة الأمن والاستخبارات من الشرق والغرب معاً، حيث تُصاغ السياسات الأمنية بعيداً عن الرسميات، ويُتاح للسودان أن ينسج خيوط علاقات أمنية واستراتيجية مع شركاء غير أوروبيين.
▪️في ميونخ، دخل السودان كطرف يسعى لاستعادة موقعه. في باكو، جلس كطرف يناقش الأصدقاء والمنافسين على السواء، مقدماً نفسه كفاعل في قضايا تتجاوز الحرب الداخلية إلى ملفات الإرهاب، الكوارث الإنسانية، والأمن السيبراني.
▪️أهمية باكو لا تنبع فقط من كونها منصة أمنية، بل من موقع أذربيجان ذاته: دولة تربط بين الشرق والغرب، تحتفظ بعلاقات مع إسرائيل والعالم الإسلامي، وتدير شبكة معقدة من توازنات الطاقة والممرات الحيوية. هنا يصبح وجود السودان أكثر من مجرد حضور بروتوكولي، بل فرصة لفتح قنوات مع آسيا والشرق، توازي وتكمل علاقاته الأوروبية، وتمنحه موقع الجسر بين القارتين.
*خــلاصــة القـول ومنتهــاه:*
▪️من ميونخ إلى أذربيجان، أثبتت التجربة أن دبلوماسية المخابرات لم تعد خياراً تكتيكياً بل مساراً استراتيجياً مكّن السودان من الانتقال من موقع المتلقي إلى موقع الفاعل. ميونخ أعطت بطاقة العودة، وباكو منحت منصة التأثير.
▪️نجاح هذا النهج مرهون بقدرة المخابرات العامة في انتهاز الفرصة وحُسن إدارتها مستقبلا بالتكامل مع الدبلوماسية الرسمية، بما يحوّل الحضور في مثل هذه المنتديات إلى مكاسب عملية تعزز الأمن القومي، وتؤكد أن السودان قادر على أن يكون لاعباً إقليمياً ودولياً يُحسب له حساب.