تأملات جمال عنقرة تاركو .. خليناكم لى الله

تأملات جمال عنقرة
تاركو .. خليناكم لى الله
متابعات ريام نيوز ٢٦ سبتمبر ٢٠٢٥
صديقنا الاستاذ محمد الفاتح نائب رئيس اتحاد الصحفيين لديه طرفة ظريفة كثيرا ما يحكيها، وتقول طرفة الفاتح ان شيخ عرب نزل ضيفا علي قوم كرام، فأكرموه كرما فاق كل الحدود، ولما أراد السفر إلى اهله حملوه زادا وعتادا، وهدايا اخري لا حصر لها، فلما لم يجد كلمات تفي لشكرهم علي جميل ما صنعوا، قال لهم (والله ما عارف أقول شنو.. بس خليتكم لي الله)
واليوم لم اجد ما أفي به بعض صنائع شركة تاركو للطيران، وأعمالها الجليلة، غير ان أقول لهم ذات ما قال شيخ العرب للقوم أهل الكرم والفضل (خليتكم لى الله)
وقصتي مع تاركو طويلة قد لا يسع المقام والمقال لذكرها، لكني اذكر بعض ملامحها، حتى اصل الى اليوم الجمعة السادس والعشرين من شهر سبتمبر عام ٢٠٢٥م، وهو يوم التجلي الأعظم عندي لعظمة مناسبته.
كثيرون يعلمون العلاقة الوثيقة بيني وبين الناقل الوطني شركة الخطوط الجوية السودانية، وبعد شهرين او ثلاثة تكمل عامها الأربعين، حتى صرت واحدا من اهل سودانير، وظلت شراكتنا مع سودانير تتمدد وتتجدد طوال تلك الفترة، سوي في بعض عهود الانتكاس التي مرت بها، وهذا ليس مكانا لذكرها، ولكن كل ما اصاب سودانير من عثرات كان بسبب سياسات حكومية خاطئة، او ادارات فاشلة مرت عليها، حتى كادت ان تخرج من سوق الطيران في السودان.
ولان علاقتي بسودانير كانت اكثرها ان لم تكن كلها خاصة بقضايا عامة، وقومية، وما احمده لشركة تاركو انها لم نلجا لها في شأن قومي، او في مصلحة عامة، إلا وكانت استجابتها اعلي من كل التوقعات.
اول من تعرفت عليه من اهل تاركو مديرها العام السيد سعد بابكر، وكانت المناسبة دعوة افطار رمضاني خاصة اقامها علي شرفه اخي وابن اخي الحبيب ابن الحبيب يوسف سيد احمد خليفة، وجمعت الدعوة ثلاثتنا فقط، وكانت مناسبتها ان يوسف له الرحمة والمغفرة كان يود ان يعرف بعض اسرار معركة تاركو مع بعض خصومها، فلما رأي يوسف ان سعد وشركاءه في تاركو علي حق، قرر ان يخوض معهم المعركة دفاعا عن الحق قبل كل شئ، وكان هذا هو سر عطاء ووفاء تاركو للوطن وللمرحوم يوسف سيد احمد حتى بعد وفاته، وبعد انتهاء المعركة بظهور الحق المبين لصالح الشركاء المؤسسين.
ولسنا وحدنا في مركز عنقرة للخدمات الصحفية التي تشارك تاركو في رعاية كل أنشطتنا الثقافية والفكريّة والاجتماعية، ولكنها تفعل ذلك مع كل المؤسسات الفاعلة في المجتمع، خاصة كانت او عامة، ومشهودة الخدمات الجليلة التي قدمتها تاركو لعموم اهل السودان في محنة الحرب العينة، وكان العطاء اجزل للأهل والعشيرة، الشمباتة، اهل الساس والرأس، وكنت قد تشرفت بالمشاركة في احتفالات تكريم اهل شمبات لابنهم البار سعد بابكر، بدعوة من صديقي وشقيقي وشيخي، كبير الحضراب الشيخ عمر الشيخ ادريس حضرة
وقبل يومين انجزنا عملا عظيما طال انتظاره طويلا، هو مذكرات الرئيس الراحل المشير جعفر محمد نميري، ولهذه المذكرات قصة طويلة جدا، ففي اليوم التاسع عشر من شهر يونيو عام ١٩٨٩م، وهو اليوم التالي لكشف مخطط الانقلاب المايوي بقيادة العميد احمد فضل، وظهور اسمي ضمن المطلوبين للاعتقال بتهمة المشاركة في التخطيط لهذا الانقلاب، وكان قد تم اعتقال الزملاء سيد احمد خليفة ومحجوب عروة، فقرر الرئيس نميري ان ابقي معه في مصر مستشارا إعلاميا، ورتب لي السكن والسيارة، فعرضت عليه ان اجري معه حوارات ننشرها تحت عنوان (هكذا تكلم جعفر نميري) فدخل غرفته الخاصة واحضر لي كرتونة بها الآلاف الأوراق هي تفريغ عشرات الاشرطة لحوارات اجراها معه الصحفي فؤاد مطر، وقال لي ستجد فيها كل ما تريد، فعكفت عليها، واستخلصت منها اكثر من ستمائة صفحة شملت كل جوانب حياته، واحداث حكمه المهمة الداخلية والخارجية، وكثيرا من الأحداث والمواقف، والأشخاص، وبعد ان كنا قاب قوسين او ادني من النشر توقف نشرها، وقرر الرئيس بعد ذلك ألا تنشر إلا بعد وفاته، وبعد وفاته بسنوات اتصل بي صديقنا البرلماني المايوي عبد الله ميرغني واخبرني ان صديقنا الواثق عبد الله صالح والسيدة بثينة خليل يسألان عني، وللذين لا يعرفون الواثق، فهو ابن خالة الرئيس نميري وسكرتيره الخاص، ومخزن أسراره، فذهبت اليهم في البيت في ود نوباوي، وبعد السلام جلست مع الواثق، واخبرني أنهم قد قرروا الإفراج عن المذكرات، وأنهم قرروا ان أكمل المشوار لأنني الذي بدأته، ثم أعطاني النسخة الوحيدة التي بطرفه، فشرعت في اعادة قراءتها لاعدادها للنشر، إلا أن الحرب الملعونة قطعت كل ذلك.
وفي احتفالات حركة وجيش تحرير السودان بعيد الفطر المبارك الأخير تحدث القائد مناوي عن ضرورة اعادة التفكير في تجربة تحالف قوي الشعب العاملة التي سنها الرئيس نميري، وادخل بها القوات المسلحة ضمن القوي الفاعلة في المجتمع، فعدت من الاحتفال، واعدت قراءة الباب الذي يتحدث فيه عن الجيش والسلطة، فوجدته كانّه يتحدث عن تحديات هذه الايام، فقررت المضي قدما في نشر المذكرات، فاتصلت بالواثق فوجدته اكثر حماسة مني، فاتصلت باخي وتلميذي الفنان المبدع حاتم مكي، لتصميم غلاف يليق بالكتاب الحدث، ثم اتصلت بصديقي الطابع المصري المميز جميل متبولي، للإعداد للطباعة.
وقبل يومين اكتملت طباعة الكتاب في مصر، فسافرت القاهرة لشحنه الى السودان، فكتبت خطابا عنونته للأخ سعد بابكر مدير تاركو لشحن الكتاب الى السودان، وذهبت إلى نائبه الاخ موسي في مكتبهم بالقاهرة، رفقة الصديقين اللواء مهندس مستشار ضياء الخير سعد عمر المدير السابق لشركة صافات للطيران، والحبيب علي ادريس، علي داتا سابقا، وعلي الاوائل حاليا، وعلي الشيخ البرعي علي الدوام، وفي اقل من دقيقة اجري موسي كل اللازم، واقترح ان احمل معي الكتاب كله في الطائرة التي أعود بها إلى السودان صباح اليوم الجمعة حتى لا ادخل في تعقيدات الشحن وقرية البضائع وغيرها، ولما وصلت المطار، وجدت تاركو كلها في الاستقبال، فتحي، وياسمين وأحمد، وكل المجموعة، وأحاطونا بحبهم قبل رعايتهم، وعلي اجنحة الطائر الميمون صار كتابي (هكذا تكلم جعفر نميري) في احضان الوطن العزيز
فشكرا تاركو
وخليناكم لي الله