الأعمدة ومقالات الرأي
أخر الأخبار

حديث السبت: كتب/يوسف عبدالمنان.

متابعات ريام نيوز ١٦ أغسطس ٢٠٢٥م
*هل يستقيل الأعيسر من الوزارة بعد التجرد القسري لمهمته.*

■ *خارطة طريق الأمم المتحدة وعودة قحت والجنجويد.*

■ *قوات درع السودان تضحيات بلا ثمن.*

1️⃣

منذ أن جُرّد وزير الإعلام خالد الأعيسر من صفته كمتحدث باسم الحكومة، واكتُفي بإبقائه وزيراً للإعلام والثقافة بلا لسان رسمي!!، توالت عليه النصائح من أصدقاء كثر وناصحين مشفقين بضرورة تقديم استقالته، وترك المنصب، والعودة إلى لندن… أو إلى بارا إذا كُتب لها التحرير من الجنجويد قبل يوم القيامة!!.

لكن الأعيسر بقي في موقعه وزيراً بلا مهام حقيقية، حتى جاء ما أوجعه كسوداني ومواطن – قبل أن يكون وزيراً – وهو ما حدث لمواطن آخر، هو المصباح أبو زيد، الذي ارتكب في نظر جلاديه جريمة الدفاع عن شعبه، بمحاربة من اغتصب ونهب وشرد الملايين. انتهى المطاف بالمصباح – قائد فيلق البراءون – في السجون المصرية، داخل معتقلات ورثتها مصر من عهد الفرعون صلاح نصر، بينما التزمت حكومتنا صمتاً مريباً يرقى إلى الاصطفاف مع القاتل لمعاقبة جثة المقتولين.

هنا، انتصر الأعيسر لمهنته كصحفي، ولضميره كمثقف، فكتب تغريدات صادقة طارت بها وسائل الإعلام. ولئلا يقف موقفاً مناقضاً للحكومة، نشرها بصفته مواطناً أُرغم على قول الحق في زمن الصمت والخوف. ثم أتبع تغريداته بمقالة قصيرة، أمس، وضع فيها الجميع أمام حقيقة واحدة: *البلاد مقبلة على تحولات غير متفق عليها حتى داخل الحكومة نفسها، فضلاً عن الشارع الذي يرفض تقسيم السودان، ويقاوم عودة الجنجويد للحكم.* ويرفض بيع المكونات التي قاتلت ونافحت، في سوق النخاسة الدولية، بثمن بخس.

وقد تكشف أن خارطة الطريق التي طرحها مندوب السودان في نيويورك، لم تُعرض أصلاً للتوافق بين مكونات الحكومة، لا سيما بين الحركات المسلحة من جهة، والكتلة الديمقراطية من جهة أخرى، رغم أنها تحظى برضا قوى الحرية والتغيير – مجموعة حمدوك – إن كانت تعيدهم إلى السلطة وتبعد خصومهم.

وسط هذا الضباب والغبار الكثيف، لن يخسر الأعيسر شيئاً إذا قدّم استقالته الآن، وحمل حقائبه، وعاد إلى المملكة المتحدة. فالأعيسر لم يأتِ من هناك بسبب البطالة؛ بل هو صحفي مشرِق الحضور، تبحث عنه القنوات والوكالات، وما يحققه من نشاطه الإعلامي يفوق – ربما بثلاثة أضعاف – راتب الوزير في دولة لا تحترم أهل العطاء والمواقف. وإلا، لما أقدمت على تجريد ناطق باسمها من صفته السياسية، ليصبح وزيراً بلا لسان، تماماً كـ وردة بلا عطر.

وأيهما أفضل: وزير وناطق، أم وزير بلا لسان؟!

قديماً، سُئل أبو الفرج جمال الدين ابن أبي الحسن، المعروف بابن الجوزية، في بغداد: “أيهما أفضل، أن نسبّح الله كثيراً أم نستغفره؟” فقال: “الثوب الوسخ أحوج إلى الصابون من البخور”.

وفي حالة الأعيسر، الاستقالة أحوج وأوجب من البقاء في موقع لا يزيده إلا النكد والرهق وقلة الحيلة وازدراء النفس بلا سبب. والسلطة بطبيعة حالها تضيق بأهل النظر وتتسع أبوابها لأهل الفعل ذلك صراعا قديما بدأ بعد وفاة الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله مما قاد لاحقاً إلى واقعة الفتنة، وبروز تيارات سياسية مناوئة للخليفة عثمان ومن بعده سيدنا علي رضي الله عنه، وفي فترة الإنقاذ الأطول عمرا في تاريخ الأنظمة التي حكمت البلاد، ضاقت عباءة الحكم وأًبعد أهل الرأي السديد والفكر الثاقب والرؤيا وتنفذ في السلطة المطيعون للسلطان بما يأمر، حتى بلغ الأمر ببعض المتفيقهين أن استحلوا ماحرم الله، وأباحوا أن تقترض الدولة ربويا من أجل تشييد المشروعات ذات العائد القومي، مثل مشروع سد مروي ولكن بعدها شهدنا كيف محق الله القروض الربوية. وإذا كان الأعيسر اليوم ينظر من خارج الأسوار إلى داخل غرف صناعة القرار، وهو بعيدٌ عنها، فإن قذف الحكومة بالتغريدات على غرار ما أملته عليه أخلاقه في قضية المصباح ربما تعجل بإعفائه من الوزارة قبل أن يحزم حقيبته (بقجته) ويعود إلى مدينة الضباب، ويشجع الارسنال وينأي بنفسه عن الهم والغم. والاعيسر طوال فترة وزارته لم ألتقيه الا لقاءاً عابراً، وافترقنا كما يقول وردي في رائعته، وعلى ماعتقد كتبها جيلي عبدالمنعم الشاعر الذي حرمتنا مهنته كقاضي من شعره المبلل بالندي ومطر القضارف في آخر الخريف. وعندما جمعنا أحمد عثمان حمزه في مكتبه بالخرطوم لم نتحدث إليه ولكن في زيارتي للوكيل سميه الهادي وهي امرأة جميلة مظهرا ومخبراً وأخلاقاً، فلم تترفع بالمنصب عمن تقاسم معها بليلة مباشر في مقهى حليوه. حدثتها بأن الأعيسر لن ينجح في هذه الوزارة ولن يصبح ناطق رسمي خادماً لوطنه من غير شطط الا اذا كان من أهل الفعل وأعضاء مكتب البرهان ومطبخه السري حتى يتحدث بما يعرف، ولا يتبع ما يثار في الرأي العام فيضل ضلالا بعيدا. واخيراً يجد نفسه مغرداً خارج السرب في وادي غير ذي زرع. وان السلطة في هذه الدولة بيد البرهان وحده لاشريك له كما أثبتت الايام الماضية.

2️⃣

إن خارطة الطريق التي بعثت بها الحكومة إلى ممثليها في الأمم المتحدة بنيويورك لمخاطبة المجتمع الدولي بشأن رؤية الحكومة لإنهاء النزاع في السودان تمثل الآن مشكلة بدلا من أن تصبح خارطة للحل ستصبح خارطة جديدة لبعثرة الصفوف وتمزيق البلاد بما انطوت عليه من بنود خطيرة جدا على مستقبل السودان كدولة واحدة وعلى مستقبل التحالف الوطني الذي فرضته الحرب وتشكلت على أثره كتلة كبيرة اجتماعية وسياسية وعسكرية، شكل فيها البرهان رمزية اصطف الناس حولها، ولكن هل خارطة طريق نيويورك هي أولى خطوات تفكيك التحالف الذي يمثل فيه حركات الكفاح المسلح أهم أركانه ويمثل تيار قوى الحرية والتغير الديمقراطي عظمه ولحمه ويمثل التيار الإسلامي العريض داعماً سياسياً ومقاتلاً في صف القوات المسلحة. وإذا كانت الحركات المسلحة قد جهرت علنا برفض خارطة الطريق فإن التيار الديمقراطي داخل منظومة قوى الحرية والتغير في اجتماعها الأخير برئاسة الميرغني الصغير قد أعلنت رفضا صريحا لخارطة طريق تحدثت عن حصر قوات الدعم في حواضنها الاجتماعيه الشي الذي يمثل خطوة تهدد بفصل دارفور عن بقية السودان. وفي ذلك يتحقق كل مطالب المشروع العمسيبي وهو مشروع أقرب لمنبر السلام العادل الذي كان يظن – غفلةً وسوء تدبير وقصر تفكير – أن انفصال الجنوب عن الشمال سيبعد عنه ضنك المعيشة وويلات الحروب والحفاظ على الموارد الطبيعية والبشرية، ولكن قبل أن يجف حبر التوقيع على انفصال البلدين اشتعلت دارفور حربا وتبعتها كردفان، ثم كان خراب الخرطوم الآن. وإذا إنفصل إقليم دارفور وإنضم إليه كردفان عطيةً لآل دقلو لإقامة مشروع دولة العطاوة فإن كلا الدولتين على وعد بنشوب حروب هنا وهناك، فكيف لدولة النقاء العرقي فيما تبقى من السودان استيعاب الانقسنا والوطاويط في إقليم النيل الأزرق، ولماذا يبقى البجة في الشرق تابعين لدولة النهر ولاينفصل الإقليم ويصبح دولة لها موارد.؟ فإذا كانت دولة السودان الحاليه قد منحت حميدتي دار حمر وباعت مجاهدات النوبه وتخل الجعليون عن الجوامعة وكلاهما مجموعة واحدة، فكيف للامرار والقمز، وغدا يطالب الكنوز والمحس والسكوت في الشمال باعتبارهم ورثة مملكة كوش القديمة، وحتى كردفان ودارفور لن تستقر يوماً واحداً مهما أقام ال دقلو دولة القهر والعبودية والاستعلاء العرقي غدا يخوض الفور والزغاوة والميدوب معركة البقاء على أرضهم وحينها لن ينفع الجنجويد سلاح الإمارات أو أمريكا.

وكل من يفكر ويسعى لفصل إقليمي كردفان ودارفور باعتبارهما سبب نكد وشقاء أهل السودان الحالي لهو قصير نظر، ولم يقرأ حتى الآن كتاب انفصال جنوب السودان

زلزال الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

ايدلوجيات ام عقائد للدكتور منصور خالد، فقط ١٥٢ تضي لك كثيرا من الغرف المعتمة من هنا فإن طرح مشروع خارطة الطريق في الفضاء العلني ليقول كل صاحب بصيرة أو من على قلوبهم اغفالها رؤيتهم من غير احتكار نخبة صغيرة من الحكام حق التقرير في مصير شعب بأكمله ولكن مشروع خارطة الطريق ربما مهد الدرب وفتح نفاجا لتعود معه مجموعة صمود بقيادة حمدوك للحكم مرة أخرى ولكن لو كان في تلك المجموعة خيرا لما طردها البرهان نفسه من كراسي الحكم في انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبى.

3️⃣

استهدفت مليشيا الجنجويد يوم الأربعاء احتفالية في منطقة تمبول بمحلية شرق الجزيرة عبر مسيرة لم يكشف عن طبيعتها بعد، هل هي مسيرة استراتيجية عبرت مئات الكيلومترات ام هي مجرد مسيرة انطلقت من داخل البلاد وعلى الراجح من النيل الأزرق، وتسعى المليشيا للنيل من ابوعاقلة كيكل الذي يمثل للملشيا عدواً اول، بعد أن إنقلب عليها وحشد شباب الجزيرة والقضارف والرشايدة وأخرجت الأرض اثقالها من شباب أعمارهم تقل عن الثلاثين عاما لكنهم مقاتلين اشداء وفرسان يوم الكريهة وحرر هؤلاء الشباب الجزيرة والخرطوم بعد تضحيات دفن فيها آلاف الشهداء ويسير الآن في شوارع الجزيرة المئات من المعاقين، واستطاع كيكيل تشكيل قوة نظيفة معقمة من أمراض المليشيا لاتسرق ولا تنهب ولا تمارس الابتزاز الرخيص في الارتكازات من دار السلام المغاربة بشرق الحاج يوسف حتى الفاو، ولايتلقي كيكيل رواتب من دولة يدافع عنها بالدم والروح ولم يجلس لكامل ادريس لينال وزارة أو حتى منصب نائب والي الجزيرة، ولا يسافر كيكيل للقاهرة للاستراحة والاستجمام، ولايعرف دروب تركيا والإمارات، ولكن يقاتل الآن في متحركات كردفان وقواته مع العدل والمساواة والحركة الشعبية جناح عقار وجناح دانيال كودي في طريقهم للدلنج لتحريرها من استعباد المليشيا لشعبٍ حرٍ.

أكرم به رجلاً مثل كيكل، غسل ماضيه مع المليشيا فمسح دموع الثكالي الباكيات على فلذات أكبادهنَّ في الجزيرة، فكيف تتركه الدولة بلا غطاء تشويش ومضادات أرضية لحماية جبل الاباترو شرق تمبول، حيث ترابط هناك قوات كبيرة تلقت تدريبات وعسكرة متقدمة من ضباط القوات المسلحة يقودهم المقدم عباس عبدالرحمن لتاهيهم لمعارك قادمة، وحروبٍ كلما أطفأ البرهان نار أحداها اشتعلت أخرى.

كيكل امانة في عنق البرهان وهو في كل يوم يترصده الطابور الخامس والسادس حسداً من عند أنفسهم.

يوسف عبدالمنان.

السبت 16أغسطس 2025م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى