
✍🏽 يوسف عبدالمنان
وباء الضنك
متابعات ريام نيوز ١٨ سبتمبر ٢٠٢٥
منذ الجمعة الماضي، خضعتُ لضخ كميات كبيرة من المحاليل الوريدية بلغت حتى مساء أمس ثماني عشرة أنبولة ما بين “بندول” ومضادات حيوية، في محاولة لتخفيف حدة المرض، إلى جانب بعض الأدوية البلدية مثل القرع والتبلدي. وتبعًا للانتشار الواسع لحمى الضنك في الخرطوم ارتفعت أسعار القرع حتى صار خارج متناول عامة الناس.
وبين مركز صحي الصحافيين وبعض المستشفيات تكشفت لي من واقع المشاهدة أن الخرطوم الآن نصف سكانها إما مصابون بالملاريا أو بحمى الضنك أو بالتايفود. وقد انتشر البعوض والناموس في الأحياء السكنية بصورة غير معهودة من قبل، وفاقم من الأوضاع الصحية الانقطاع التام للكهرباء منذ أن تعرضت بعض محطات التوزيع للضرب من قبل مليشيا آل دقلو، التي تعتبر وجود الكهرباء والماء حجر عثرة أمام التحول الديمقراطي والحكم المدني، الذي يتطلب ـ للوصول إليه ـ ضرب كل محطات المياه والكهرباء.
ولا أرى مبررًا واحدًا يجعل الحكومة تصمت على مثل هذا الاعتداء على الكهرباء والمياه والمستشفيات، فالواعز الأخلاقي والمسؤولية تقتضي مصارحة الشعب بالحقيقة. والشعب أصلاً صابر وصامد حتى الانتصار على المليشيا، ولو بعد عشر سنوات من الآن. لا مساومة، ولا خضوع، ولا إذعان لشروط الأجنبي.
ومع بداية دخول فصل “الدرت” وسريان الرياح الشمالية كالمعتاد، تتضاعف نسبة الإصابة بمرض الملاريا، وها هي حمى الضنك قد جاءت لتزيد الطين بلة، في وقت فشل فيه الأطباء حتى الآن في الوصول إلى دواء يشفي المصابين، إذ لا يتجاوز الأمر استخدام “البندول” لخفض درجة حرارة الجسم. وفي غياب بروتوكول علاجي متفق عليه، تسلل إلى مهنة الطب العرافون وتجار الأعشاب ليوصفوا علاجًا لمرض الضنك، الذي جعل الناس يترنحون في الشوارع. ومن تجربتي الشخصية مع هذا المرض، فإن المحاليل قادرة فقط على تخفيف حدة الحرارة.
قبل أيام نشطت فرق طبية لرش الخرطوم بالمبيدات، وقيل إن طائرات سوف تستخدم لقتل البعوض لا الجنجويد. ولكن الحال يظل كما هو، وحكومة ولاية الخرطوم سلبت لجنة إبراهيم جابر صلاحياتها وجعلتها كرة بلا عطر.
ومن فراش المرض، نظل نكتب بما تمليه علينا وقائع البلاد وحرب التحرير، ولن يثنينا عن دورنا اليومي في التنوير والمدافعة إلا أن تسكت أنفسنا. ومهما اشتد بنا المرض نتذكر إخواننا هناك في جبهات القتال يواجهون الموت بإيمان وصبر وثبات، وتنزف جراحهم ليمنحونا نحن بعض نعيم العيش ورغده.
وإذا هاجمتنا جيوش البعوض، ونشرت وسطنا حمى الضنك والملاريا والتايفود، فإن المقاومة الشعبية ـ التي وئدت ـ كان يمكن أن تساهم عبر الإسناد المدني في مكافحة البعوض، واستنفار مهندسي الكهرباء لدعم ما تقوم به الشركات، وهو فوق طاقتها. لكن بكل أسف، المقاومة ماتت منذ أن وُضعت على قيادتها شخصيات لا يعرفها حتى سكان الحي الذي تقيم فيه، فكيف لها أن تدعو الشباب للانخراط في الإسناد المدني قبل العسكري؟